جرِّب أن تعفو 

جرِّب أن تعفو 

في زمنٍ عزَّ فيه الصبرُ، وضاقَ فيه الصدرُ، وتحيَّر الفكرُ، وأصبح هَمُّ الناس التشفِّي والانتقام، والانتصار لأنفسهم حتى لو على حساب أصحابهم وأهلهم، جئتُكَ بنبأ يُريح القلب، ويُكسِبُكَ رضا الربِّ، ويجعل لك مكانةً عاليةً في نفوس الخَلْق؛ ذلك حين تدفع السيئة بأحسن ما يمكنك دفعها به من حسنات، حين تقابل الفظاظة بالسماحة، والغلظة بالرفق، والجهل بالصَّفْح، والقسوة بالشفقة والنصح. حين ترسم بسمة في عيون دامعة، فقلوب الناس يا أخي فيها من الأحزان والهموم ما فيها، ومن الآلام ما يكفيها. احذَر قسوة القلب، عوِّدْه الرِّقَّة يعتادها، وألزِمه الرحمة يظلَّ مُلازمًا لها، وحين يظلمك أحدُهم ويُوغِر صدرك، ويستفزُّ مشاعرك، فادفَع بحلمك جهلَه، ورُدَّ بعفوِكَ كيدَه ومكرَه. نعم، جرِّب أن تعفوَ عمَّن ظلمَكَ، وتُعطي مَن حَرَمَكَ، وتصِل مَنْ قَطَعَكَ، وتَبسِم في وجه من عبس في وجهك، وتبدأ بالسلام مَنْ خاصمَكَ، وتُواسي في النائبات مَنْ حاربَكَ، وتتغافل عمَّن أساء إليك، واعتدى بجهله عليك. ” ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ” فصلت: 34. فإذا بالخَصْم اللَّدُود ينقلب إلى حبيبٍ ودُود، وإذا بالعدوِّ المؤذي ينقلب إلى وليٍّ مُصافٍ. فو الله ” وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ” فصلت: 35، إنها العقول الراقية والنفوس الواثقة، نفوس آمنَت بالله واستنارت بهُداه، ووثقت بعَهْدِه، وآثَرَتْ ما عنده. اقبَل الأعذار، وأَقِلِ العثرات واغفِر الزلَّات، واطْوِ عنكَ كُلَّ ما مضى وفات، وفكِّر في العواقب. لقد جاء الإسلام رحمةً لا عذابًا، وتواضُعًا لا استعلاءً، يضمن سلامة النفس، ويحفظ كرامتها، ويحترم إنسانيَّتَها وحريَّتَها، ويرعى هيبتَها، يُجدِّد للقيم الرُّوحية شبابَها، ويُعيد لها صوابها، فاطلُب الصبر ترزُقه، وتَحَلَّ بالحِلم تُعْطَه، وتجنَّب الشرَّ تُوْقَه، وتعوَّد على الدفع بالحسنى يَصِرْ دَيْدنَك ولازِمَكَ، ألا “مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا” رواه مسلم، إنه وعْدٌ من الله يتجاوز حدود الزمان والمكان.