فجرّ البيان الأخير للسفارة الفرنسية بموريتانيا إلى العلن الأزمة الدبلوماسية بين باريس ونواكشوط والتي ظلت صامتة منذ مطلع 2015 وكشفت مستوى الجفاء الحاصل في علاقات البلدين.
وأصدرت فرنسا عبر سفارتها تحذيرا لرعاياها في موريتانيا من عمليات سطو قد تستهدفهم بالأحياء الشمالية للعاصمة نواكشوط في سابقة هي الأولى من نوعها للسفارة.ومساء الخميس الماضي، شن الناطق الرسمي
باسم الحكومة وزير الثقافة محمد الأمين ولد الشيخ هجوما لاذعا على بيان السفارة الفرنسية معتبرا أنه جاء متحاملا وحمل رسائل غير ودية من فرنسا للدولة الموريتانية.وبدأت الأزمة الدبلوماسية بين باريس ونواكشوط صامتة منذ أكثر من سنتين بعد إصرار فرنسا على وضع موريتانيا في “الدائرة الحمراء” رغم تأكيد نواكشوط أن خطتها لمواجهة الإرهاب أثمرت كثيرا.كما شكل رفض الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إرسال قوات للمشاركة إلى جانب القوات الدولية في عمليات حفظ السلام بشمال مالي (في 2013) نقطة أخرى ساهمت في تعزيز التوتر.ومنذ نهاية 2014 لم يستقبل عبد العزيز السفير الفرنسي كما لم يجر معه أي مباحثات أو مشاورات وهي سابقة في علاقات البلدين.وتم فهم رفض الرئيس الموريتاني استقبال سفير فرنسا طيلة هذه الفترة على أنه رد فعل مباشر من الرئاسة الموريتانية على تصرفات فرنسية لا تروق لنواكشوط على ما يبدو.وبعد ذلك دخلت العلاقات بين البلدين في مرحلة فتور ازداد بشكل تدريجي طيلة العام الجاري.و بدأ التصعيد بين البلدين خلال الزيارة التي أداها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قبل أكثر من سنة لعدد من بلدان غرب إفريقيا واستثنى منها موريتانيا، حين رفض هولاند أن يبدأ زيارته بموريتانيا ورفضت نواكشوط أن تختتم الجولة بها.بعدها انتقلت الأزمة إلى مرحلة سجال سياسي قوي بين البلدين، إذ استضافت صحف ومحطات إذاعية وتلفزيونية فرنسية أكثر راديكاليي المعارضة الموريتانية وهم الرئيس السابق العقيد أعلي ولد محمد فال ورئيس مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (ايرا) المرشح الرئاسي السابق بيرام ولد أعبيدي وعدد من النشطاء المعارضين الآخرين المقيمين في باريس وهو ما اثار حفيظة نواكشوط التي فسرتها بانها خطوات عدائية ضدها .من جهة اخرى تابعت الحكومة الموريتانية أمس مسارها على مستويات متعددة، متجهة نحو تنظيم استفتاء شعبي منتصف ديسمبر المقبل، لإقرار التعديلات الدستورية التي تمخض عنها الحوار الأخير والتي تشمل بين أمور عدة، إلغاء غرفة الشيوخ والاستعاضة عنها بمجالس جهوية، إضافة لتغيير ألوان العلم الوطني، ودمج مؤسسات وسيط الجمهورية والمجلس الإسلامي الأعلى ومجلس الفتوى في هيئة واحدة.فقد وافقت لجنة متابعة نتائج الحوار على مسودة الدستور المعدل التي أحيلت للمجلس الدستوري لإقرارها، فيما بدأت وزارة الداخلية الموريتانية استعداداتها للتنظيم الإداري والمادي للاستفتاء.ولم تول الحكومة أي اهتمام للاحتجاجات التي نظمتها المعارضة رفضاً للاستفتاء بل لنتائج الحوار برمتها، مما يجعل المشهد السياسي الموريتاني متجهاً نحو معركة بين نعم الحكومة ولا المعارضة. وبينما بدأت الموالاة تنظيم مهرجانات تحسيسية محضرة للاستفتاء على تعديل الدستور بل مطالبة بمأموريات إضافية للرئيس، ترى أوساط المعارضة الموريتانية المرتبطة أن “نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز يوجد في ورطة فإما أن يتخلى عن المسار الأحادي الذي يدير به الأمور ويعمل على تطبيع المشهد وبناء الثقة مع المعارضة، وإما أن يفضل الهروب للأمام معرضاً نظامه للخطر”.في هذه الأثناء ينشغل الرأي العام الموريتاني بالنقاش المحتدم بين فقهاء القانون الدستوري في صفي الموالاة والمعارضة حول أحقية الرئيس في عرض التعديلات الدستورية التي تمخض عنها الحوار الأخير للاستفتاء الشعبي مباشرة دون المرور بالبرلمان. وتنص المادة 99 (جديدة) من الدستور الموريتاني على امتلاك كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مبادرة مراجعة الدستور.وبما أن التعديلات الدستورية المقترحة تشمل إلغاء غرفة مجلس الشيوخ الأمر الذي يرفضه أعضاء هذه الغرفة، فقد أصبح المرور بالبرلمان شبه مسدود، وهو ما دفع الرئيس للتوجه نحو استفتاء شعبي مباشر، مستخدماً المادة 38 من الدستور التي تنص على أنه لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية.