تواصل “الموعد اليومي”، بمناسبة شهر التراث، الوقوف عند تحف فنية إبداعية تؤشر لمحطات من الذاكرة التاريخية لبلدنا على غرار جدارية “المنفيين” (1830-1962) بالواجهة البحرية للجزائر العاصمة، التي تعبر عن عرفان الجزائريين ووفائهم لإخوانهم الذين قامت فرنسا الاستعمارية بنفيهم إلى كاليدونيا الجديدة، غويانا (أمريكا الجنوبية)، مارغريت (فرنسا)، الشام وبرازافيل (إفريقيا).
وتم تدشين هذا المعلم التاريخي، من قبل رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في 5 جويلية 2021 وكتب تحتها عبارة “وفاء وعرفانا لأبنائها المنفيين إلى أقاصي الأرض، تنحني الأمة الجزائرية بكل خشوع أمام أرواحهم الطاهرة”.
ويتميز هذا المعلم الفني بالبساطة مع العبرة البليغة والرسالة الأصيلة، ويروي قصة حشد من أبطال الجزائر وهم يساقون إلى السفينة وسوط الجلاد يدفعهم للركوب، بينما يقف على الجانب الأيمن رجل يفهم من قامته أنه يحمل كل معالم الأصالة والشجاعة يرفع يده وكأنه يستشرف المستقبل بقناعة راسخة أن التضحية لابد منها. بينما في الجانب الأيسر، يقف فتى يحمل علما منتكسا على أمل أن يكبر ذات يوم ويرفع العلم عاليا مرفرفا”.
وفي هذا الصدد، روى أحفاد جزائريون تم نفيهم إلى كاليدونيا الجديدة خلال مرحلة الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر “الألم الصامت” لأجدادهم في فصل منسي إلى حد كبير من هذه القضية.
وبين 1864 و1897 ومع تقدم القوات الاستعمارية الفرنسية التي دخلت الجزائر عام 1830، تم ترحيل أكثر من 2100 جزائري حوكموا أمام محاكم خاصة أو عسكرية، إلى مستعمرة العقاب الاستعمارية في المحيط الهادي.
ويروي أحفاد “قبعات القشّ” التي خصصت للمدانين، بتأثر قصة كان لا بد من “البحث عنها وحتى انتزاعها” منهم.
وقال الطيب عيفة (83 عاما) بألم شديد “وصلوا بعد رحلة استغرقت خمسة أشهر مكبلين بسلاسل. عدد الموتى الذين ألقيت جثثهم في البحر خلال العبور ما زال مجهولا”.
وكان والده جزءا من آخر قافلة من المحكومين عام 1898 ووالدته هي ابنة أحد أوائل المرحلين إلى “لوكايو”، أحد الألقاب التي تعرف بها كاليدونيا.
وأوضح الرجل الثمانيني الذي يعد من أعمدة “الجالية العربية” أي أحفاد الجزائريين، أن “قصة أجدادنا كانت موضوعا محرما. قانون الصمت هو الذي ساد في عائلات المرحّلين”.
ويتذكر عيفة رحلته الأولى إلى الجزائر في 2006 عندما شعر أنه “يعيد بشكل رمزي والده الذي عانى مثل غيره من الجزائريين من عدم قدرته على العودة والموت في بلده الأصلي”.
وقال “أؤكد انتمائي لكاليدونيا لكنني جزائري أيضا ولدي صلة بالجزائر بالأسرة والأرض”، موضحا باعتزاز أنه تمكن “من الحصول على أوراقه الجزائرية قبل عشرين عاما”.
ب-ص