سكون غامض في فضاء لا متناهي

جانت.. مدينة السحر الخرافي والسر الأبدي

جانت.. مدينة السحر الخرافي والسر الأبدي

جانت.. أيقونة الصحراء الجزائرية التي يعرف كل من زارها أن السفر إليها مختلف عن باقي المناطق، خاصة إذا كان السفر برا وليس بقطع تذكرة طائرة تمنحك الوصول إلى منطقة معينة وقضاء وقت فيها، فالسفر إليها يجعل نفسك تتسامى باجتيازك لأراضيها الصفراء، حيث يتناوب عليك الشعور برهبة المكان وعظمة خالقه وكذا الفضول وحب الاطلاع على الثقافات المختلفة التي مرت من هنا.

يمكن اعتبار مدة سبعة أيام فترة كافية للراغب في اكتشاف سحر جانت وطبيعتها ويفضل اجتياز الطريق العميق المؤدي إلى تمنراست، وهو ما يضاعف طول الطريق المباشر الذي يصل إلى 800 كلم، في حين يبدأ يوم طويل بقطع 300 كلم لمدة سبعة أيام من ليالي الخيال التي لن تتكرر إلا نادرا على أن تضمن عبر الوكالة السياحية التي تختارها للقيام برحلتك زيارة العديد من المواقع السياحية التي تعتبر جزء من الثروات وينبغي الحفاظ عليها وتثمينها، من المناظر الساحرة إلى الثروات الحيوانية والنباتية، بالإضافة إلى المواقع الأثرية التي تزخر بها المنطقة والتي تعتبر استثنائية في منطقة الصحراء، لعل أهمها البقرة التي تبكي بجانت، وهي نقوش على الحجر الأحمر على شكل بقرة تبكي في وسط الصحراء.

 

وادي أهرير.. محطة الطيور المهاجرة عبر الزمن

لا يمكن تفويت فرصة زيارة الحديقة الوطنية للطاسيلي التي تتواجد بالمنطقة بمساحة عظيمة، وادي أهرير الذي صنف كمنطقة رطبة ذات أهمية عالمية ضمن قائمة الاتفاقية العالمية الخاصة بالمناطق الرطبة “رامسار”، وذلك في شهر فيفري 2001، لكونها تضم مجموعة من البرك المائية وبها أنواع عديدة من الأسماك والنباتات المائية، كما تشكل محطة للطيور المهاجرة، وكذلك المرور بأماكن عديدة للفن الصخري في كل من هضبتي تاجلاهين وتاسريرت وتاست، ومواقع أثرية بمنطقة تين كنا شرق مدينة ايليزي، حيث وجدت به أدوات مصنوعة من الحصى المشظاة (السهام) يفوق عمرها مليوني سنة (حضارة الحصى المشظاة أو “الأولدوانية” مهد الحضارات)، كما يوجد بالمنطقة بقايا لأدوات ترجع للعصر الحجري القديم الأسفل (بين 10 آلاف ومليون سنة) في كل من عرق بورهرات وجبل إليغن وبمحاذاة عرق تيهوداين، ووادي جارات الذي يضم أكثر من 5 آلاف نقش صخري ترجع أغلبها إلى العصر الحجري الحديث، بالإضافة إلى محطات للفن الصخري في كل من فضنون، تانجت، إفدانيون، تماجرت و تيغمار، وكذا المعالم الجنائزية (أشكال وأنواع هندسية للقبور) بمختلف أشكالها بمنطقة فضنون، وكذلك قصور زلواز، الميهان وأجاهيل.

 

 

مهرجان “السبيبة” أصول متجذرة وعادات لا تزول

وإذا كانت زيارتك للمنطقة مصادفة ليوم “عاشوراء”، فهي فرصة ممتازة لحضور أحد الأعراس المتأصلة في المنطقة، وهو مهرجان السبيبة الذي يقام كل سنة موازاة مع مناسبة عاشوراء والذي يحضر فيه كل سكان المنطقة والسياح الأجانب، وهو عرض فلكلوري ممزوج بالعادات والتقاليد الترڤية، حيث تبدأ فيه نسوة الطوارق بالغناء والرقص وهن يلبسن أحلى ملابسهن وكذا الحلي، ويعتبر المهرجان فرصة للتعرف على الأكلات الصحراوية الخاصة بأهل الجنوب مثل الرغدة، المسقي، السفة، الملة، التّڤلّة.

وتعود حكاية مهرجان السبيبة الذي يوافق العاشر من محرم، إلى حرب كانت قائمة بين قبيلتين في أحد الأزمان الغابرة، وعندما تمكنتا من فض نزاعاتهما وأعلنتا السلام والصلح أيضا، تم الاتفاق على احتفال سنوي كذكرى لهذا الصلح، حتى تحول إلى مهرجان يأتيه وافدون من مختلف المناطق الصحراوية على غرار إليزي، ورڤلة، وحتى من ولايات الوطن والدول الأوروبية.

 

المبيت في العراء.. أكبر جرعة من الاستمتاع والاكتشاف

خلال الرحلة، يمكنك المبيت في العراء، وذلك بنصب الخيم وإشعال النار، ما يضفي منظرا ولا أروع، فيه امتزاج للألوان، وسماء تشبه الحلم، قمر مضيء، بنجوم مرصعة كأنها امرأة تارڤية في أحلى مظاهرها بالحلي ورداء “شاش” باللون الأزرق، كان مطعمنا متنقلا وكان العالم مغايرا كأنك تقف قبالة “أقصى الوجود”، في الصباح تبدأ رحلة مشي جديدة بمجرد أن تبزغ الشمس تلك الهائلة والمختلفة، والذي يؤكده غالبية من ساروا في الصحراء هو أنهم يسيرون في صمت، أو ربما يكونون في حديث طويل مع الأعماق، عندما تبدأ الشمس في الابتسام وهي تخرج من وراء الكثبان الرملية، لا شيء سيكون سوى هذا التواصل مع الأرض.

 

من الجوهرة إلى تمنراست

عند انطلاق أي رحلة من جوهرة الصحراء جانت برا، لا يمكن نسيان مشهد الواحات والقصور والبيوت الحجرية في وادي أسفل جبال الطاسيلي تبتعد شيئا فشيئا، وفي طريق السير إلى تمنراست أو “تامنغاست”، ذلك العالم الرائع والشاسع يأخذك لتكتشف أسرار الطبيعة ومعنى الوجود والاستمرارية، وأن تحس بذاتك وتتعلم الدهشة، حيث يمكنك التعمق في سحر السلاسل البركانية في الهقار، هناك “الطاسيلي” العظيم الذي شهد على حضارة شاهقة تركت حكاياتها وأساطيرها وثقافتها وأنماط عيشها المتميزة في رسوم منقوشة على صخور، حيث يتخيل الزائر حياة الطوارق في تلك الأزمنة الضاربة في عمق التاريخ.

 

نبذة عن المكان الساحر وأيقونة من الزمن الغابر

تبعد جانت بـ 2300 كم عن عاصمة البلد، في قلب الصحراء الكبرى تبعد عن الحدود مع ليبيا بـ 100 كم و200 كم عن النيجر، وهي مأهولة بالتوارق الذين يتكلمون اللغة الأمازيغية باللهجة التارقية. تعتبر جانت عاصمة الطاسيلي، بها 14655 نسمة، وتضم بيوتا حجرية في وادي أسفل جبال الطاسيلي، حيث تقع على سهل طاسيلي ناجر على علو 1050 مترا يعبرها وادي إيجريو الذي يسقي الواحة. تتوضع الحديقة الوطنية طاسيلي ناجر في ربوع بلدية جانت، وهي تمتلك موروثا ثقافيا وحضاريا هائلا يتمثل في النقوش الحجرية التي تتحدث عن حياة العصور القديمة.

يتم نقل المعرفة المتعلقة بالطقوس والاحتفالات مباشرة، عبر الأجيال المتلاحقة، من كبار السن إلى الأصغر سنا، الحلي ومنتجات الحرفيين وإصلاح وصناعة الزي الطوارقي الرسمي التقليدي، والأسلحة التقليدية، والحلي والآلات الموسيقية المطلوبة لطقوس احتفالات السبيبة.

لمياء بن دعاس