يمثل جامع كتشاوة تحفة معمارية تركية فريدة من نوعها، سمي بـ “كتشاوة” نسبة إلى السوق التي كانت تقام في الساحة المجاورة له، شيّد حسن باشا مسجد كتشاوة سنة 1792 خلال فترة الحكم العثماني للجزائر، وترجع التسمية إلى الكلمة التركية التي تعني باللغة العربية “العنزة”، وأطلق الاسم على المسجد نسبة إلى السوق القائمة في الساحة المقابلة للمسجد التي تحول اسمها لاحقا إلى ساحة الشهداء.
ويتميز جامع كتشاوة بطابع عمراني عربي وإسلامي، وأضفت عليه النقوش التي تكسو جدرانه الخارجية المقابلة للواجهة البحرية لساحة الشهداء، مسحة جمالية استثنائية ومميزة.
يعتبر جامع كتشاوة الواقع بقلب العاصمة القديمة من المساجد التي تصارع الزمن رغم مرور آلاف القرون عليها، وهذا المعلم الإسلامي التاريخي قد مضى على تشييده آلاف القرون، ليبقى أحد المعالم البارزة تاريخيا ببلدنا الجزائر وأرسخها وأقدمها في الحي العتيق المعروف بـ “القصبة” الذي يخفي بين بنياته المتشابكة صروحا عريقة قاومت الحروب والزلازل لقرون، وظلت وستظل شاهدا حيا على تعاقب الكثير من الحضارات عليه التي ما تزال بصماتها شاهدة للعيان حتى يومنا هذا.
بناه الأتراك وحوله الفرنسيون

رغم مرور الزمن، ما يزال هذا المسجد يحافظ على تاريخه ويصارع تقلبات الزمن، ويوجد في الواجهة البحرية للعاصمة الجزائر؛ فالداخل إلى حي القصبة العتيقة يتراءى له من بعيد الجامع وهو يتوسط ساحة الشهداء التي أصبحت اليوم سوقا تجاريا، بني مسجد كتشاوة في العام 1612 ميلادي الموافق لـ 1021 هـ، أي في الفترة العثمانية، ليتم توسيعه في العام 1794 م الموافق لـ 1207 هـ عن طريق الداي حسن باشا، الذي اتخذ من مسجد السيدة الذي خربه الاستعمار الفرنسي بعد دخوله في العام 1830، كنموذج لتجديد وتوسيع كتشاوة.
وخلال فترة الاحتلال الفرنسي تم تحويل المسجد إلى كاتدرائية تحمل اسم سانت فيليب، وصلى المسيحيون فيه أول صلاة نصرانية ليلة عيد الميلاد 24 ديسمبر 1832، وبعثت الملكة إميلي زوجة لويس فيليب هداياها الثمينة للكنيسة الجديدة، أما الملك فأرسل الستائر الفاخـرة، وبعث البابا غريغور السادس عشرة تماثيل للقديسين.
ويذهب من جهتهم المؤرخون إلى أن المسجد نشأ في بدايته كمصلى بذات المكان الذي كان يقع بجواره ساحة يقام عليها سوق للماعز، تعرف في يومنا هذا بساحة الشهداء، ومنها تسلل اسم السوق “سوق الماعز” الذي يقابل باللغة التركية تحت لفظ كتشاوة، إلى المصلى فصار يعرف به منذ أن قام داي الجزائر في تلك الفترة حسن باشا بتوسيعه، غير أن هناك من ينفي ويرى في تسمية لفظ كتشاوة دلالة على زاوية تقع على بعد أربعين مترا لأحد المشايخ اسمه سيدي كتشاوة .
في حين يذهب مؤرخون آخرون إلى أن تسمية كتشاوة التي تعني في اللغة التركية سوق الأغنام، إنما هي كلمة محرفة عن كلمة كالشاوة التي هي اسم للمكان الذي بني عليه المسجد.
تحويل المسجد إلى كنيسة واحتجاج أزيد من أربعة آلاف

لقد قام الجنرال الدوق دو روفيغو القائد الأعلى للقوات الفرنسية الذي كان تحت إمرة قائد الحملة الفرنسية الاستعمارية دوبونياك بتحويل الجامع إلى إسطبل، بعد أن قتل فيه من المصلين ما يفوق أربعة آلاف مسلم كانوا قد اعتصموا فيه احتجاجا على قرار تحويله إلى كنيسة، كما تم إخراج جميع المصاحف الموجودة فيه إلى الساحة المجاورة وأحرقها عن آخرها، فكان منظرا أشبه بمنظر إحراق هولاكو للكتب في بغداد عندما اجتاحها.
وتم تحول الجامع إلى كاتدرائية لأكثر من قرن بالرغم مما جاء في وثيقة تسليم مدينة الجزائر من قبل حاكم الجزائر في ذلك الحين الداي حسين، والتي تشترط على وجوب احترام السلطات الفرنسية للديانة الإسلامية، وتتعهد بحماية ممتلكات السكان من السلب والنهب، وباستقلال الجزائر في سنة 1962 استرجعت السلطات الجزائرية الجامع وكان الخطيب في ذلك اليوم العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
لقد كان كتشاوة كما ظل مفخرة الجميع من الجزائريين بدون استثناء، الذين يحملون في أذهانهم حكايات واسعة عن مصلاه وزخرفته والأئمة الذين مروا على منبره، كما يشدد القاطنون بجواره على قيمة المعلم التي تمنح الهوية الإسلامية التي طالما سعى الاستعمار الفرنسي إلى طمسها.
ملامح أثرية لجامع كتشاوة تؤكد قوة الانتماء للثقافة الإسلامية

والمشاهد لجامع كتشاوة يكتشف تعاقب الآثار التي مرت عليه من بنائه إلى يومنا هذا، منها جملة من الكتابات الرائعة التي تمتد بتشكيلها إلى الامتداد الثقافي الإسلامي، والتي تم فصلها في العام 1855، حيث تم نقلها إلى متحف بفرنسا، واستبدلت بنقوش أخرى تعكس الواقع الثقافي الديني الفرنسي .
ومن جملة الزخارف والنقوش التي كانت مكتوبة آيات قرآنية، التي أبدعتها يد الخطاط إبراهيم جاكر أثناء إنشاء المسجد في العهد العثماني.
لقد ظل مسجد كتشاوة وما يزال بمثابة القلعة العلمية التي تمد الناس بما يمكن أن يبصرهم بتعاليم الدين الحنيف، ولقد دأب رواده على قراءة الراتب، وهو حزب من القرآن يقرأ قبيل صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، بطريقة جماعية، ناهيك عن تحفيظ القرآن الذي دأب الشيخ الطاهر إمام المسجد الذي لا يزال على قيد الحياة على القيام به لصالح الكبار واستمر حتى غاية إغلاقه في الفترة الأخيرة لأسباب الصيانة.
أما بالنسبة لشهر رمضان، فقد دأب القائمون على المسجد على تنظيم ندوات كل جمعة بعد صلاة العصر يحضرها كبار المشايخ والعارفون بالطريق إلى الله من الجزائر، حيث تضطلع بمناقشة ما يتعلق بضرورة معرفته من شؤون الدين، هذا بالإضافة إلى البرنامج السنوي لتحفيظ الصغار القرآن يوميا من العصر إلى صلاة العشاء، وقد أثمر هذا البرنامج تخرج المئات من حفظة القرآن الكريم، هذا إضافة إلى تعليم النساء وتحفيظهن القرآن بإشراف الشيخ الطاهر الإمام، أو بإشراف مرشدة يزكيها الشيخ الطاهر.
كما يحظى مسجد كتشاوة، إضافة للجامع الكبير باستقبال العلماء الكبار الوافدين إلى الجزائر من مختلف ربوع العالم الإسلامي، حيث تقام دروس يحضرها الآلاف من المصلين.
هذا، ورغم مرور الزمن، ما يزال هذا المسجد يحافظ على تاريخه ويصارع تقلبات الزمن، حيث يتواجد في الواجهة البحرية للعاصمة الجزائرية، فالداخل إلى حي القصبة العتيقة يتراءى له من بعيد الجامع الذي يتوسط ساحة الشهداء التي أصبحت اليوم سوقا تجاريا مفتوحا على كل المنتوجات المحلية الصنع.
وبحسب المصادر، فإن العاصمة الجزائرية كانت تحوي 300 مسجد، قبل الاحتلال الفرنسي، ولم يبق منها سوى 13 مسجدا عريقا ذا طابع معماري عثماني كجامع علي بتشين الذي بني عام 1622 والجامع الجديد 1660 وجامع سيدي عبد الرحمن الثعالبي 1669 وجامع سفير 1826 أي قبيل الاحتلال الفرنسي بأربع سنوات، وقد كان أغلب المساجد خلال الحقبة الاستعمارية قد حول إلى كنائس.
ل. ب








