في سياق الحاجة الملحّة إلى ترميم الذوق التعبيري في المشهد الإعلامي العربي، وجّه عميد جامع الجزائر الشيخ محمد المأمون القاسمي الحسني دعوة واثقة للإعلام إلى مصالحة جادة مع الضاد، دفاعًا عن هوية الأمة ومعنى رسالتها الحضارية.
وقال الشّيخ محمّد المأمون القاسمي الحسني في كلمته خلال فعاليّات افتتاح أشغال الملتقى العربي الأوّل: “الضّاد في وسائل الإعلام”، تحت عنوان: “الضّاد: عهد الأمّة في الحرف والمعنى” واقعنا الإعلاميّ، تُواجه الضّاد حالة من التيه التعبيريّ، بين عامّيات صاعدة، ولغات هجينة، ومصطلحات مستوردة، تفقد المعنى توازنه. تعبيرات مبتورة، وألفاظ مقلّدة، وأداء يعاني انفصالًا بين الشكل والروح… وإنّ ما يُقدَّم على الشاشات والهوائيّات، يعكس مشهدًا لغويًا متوتّرًا، يضعف الذوق، ويشتّت الأذن، ويباعد بين المتلقّي وموروثه البلاغي… واللّغة الّتي تنزّل بها الوحي لا يليق أن يُساء استعمالها في قنوات ومنصّات، لا تعرف من الفصاحة إلا الإيقاع. وصياغة اللغة في الإعلام ليست صياغ أدوات، بل صياغ مرجعيّة وهُوّية، ومقوّمات شخصيّة جماعيّة”. وأضاف: “في جامع الجزائر: كان الوعي المبكّر بهذه الإشكاليّة؛ فكان اعتماد الفصحى في الخطب والدروس العلميّة، قرارًا قِيميًّا، قبل أن يكون تنظيميًا. المعنى في هذا الخطاب لا يُبنى على التصنّع ولا التكلّف، بل على لغة واضحة في دلالتها، متينة في أصولها، ناهضة بالتلقّي، قريبة من النفس بلا تزييف ولا تحريف”. وفي هذا الصدد، دعا وسائل الإعلام إلى لعب دور رفيع تجاه العربيّة، يتمثّل في الإعلاء من الذوق التعبيري، وتحقيق التوازن بين الجاذبيّة والمشروعيّة اللسانية قائلا: “المطلوب منه ليس التكلّف في البلاغة، بل بناء ذائقة جديدة، تليق بعصر السرعة، وتحترم عقل المتلقّي، وتعيد إلى المفردة قيمتها التعبيريّة والتربويّة، في آنٍ واحد.. نؤكّد، في هذا السّياق، أن هناك أرضية مشتركة بين الإعلام والخطاب الدينيّ؛ وتحتاج إلى تقعيد ضمنيّ، مفاده: أن نُشيّد بيانًا عربيًّا موثوقًا، لا يُثير الخلاف، ولا يُخدِش السمع، ولا يُربك المفاهيم. هذا العقد الرمزيّ. وتابع: “بين الكلمة والمنبر والمنصّة، هو ما يصون اللّغة من الانزلاق، ويمنحها شرعيّة الحضور في زمن التنميط والتقليد. والمطلوب في هذا المجال: أن نعيد اللّغة إلى وظيفة البناء، لا التّزيين، والهداية لا الإثارة”. وفي الفضاء الإفريقيّ، أكد السعي إلى الإسهام في إعادة ربطه بمصدره الأوّل قائلا” فالشعوب الإفريقيّة تتطلّع إلى مَن يقدّم لها العربيّة في حُلّة معرفيّة مطمئنة، لا استعلاء فيها ولا تشويش. والجزائر، بحكم موقعها، وتجربتها، ومؤسّساتها، قادرة على تأهيل الخطاب العربيّ في إفريقيا، ضمن منظور سياديّ راسخ، وروح علميّة رشيدة. وتمهيدا لهذا الدّور، يخطّط جامع الجزائر لمشاريع التكوين وبرامج للإقراء، وجسور للتعاون”.
أ.ر