إنَّ عبادة الله تعالى اسمٌ جامع لفِعْل كلِّ ما يحبُّه الله ويرضاه؛ ممَّا شرعه من الاعتقاد الصحيح، والقول السديد، والعمل الصالح، وترْكِ كلِّ ما يكرهه الله ويأْبَاه؛ وهو ما حرَّمَه تعالى من أنواع الشِّرْك والضلال وفروعهما؛ مِن فاحش القول، وسيِّئ العمل، وقبيح الاعتقاد، ونحوها من موجبات الشقاء والخسران في المعاش والمعَاد، فمَن فعَلَ ما شرَعه الله وتَرَك ما حرَّمه الله على وجْه القربة، وعلى الوجه الذي شرع، وحذر من الأهواء والبِدَع، فهو عبد الله حقًّا، المؤمن به صِدقًا، وقد ضَمِن الله له طيبَ الحياة، والسعادة بعد الممَات، وأنْ يجعلَه الله من محاوريه في أعلى الجنات، وأن يحلَّ عليه رضوانه وهو من النعيم أكبر الدرجات. إنَّ عبادة الله تعالى هي حقُّه على المكلَّفين، ومن أجْلِها خَلَق الثقلين، وللدعوة إليها بعَث جميع النبيِّين والمرسَلين. وأنزَلَ بها كُتبَه ذِكرًا للعالمين؛ قال تعالى: ” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ” الذاريات: 56 – 58.
وقال سبحانه: ” وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ” النحل: 36. وقال جل ذكره ” وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ” الأنبياء: 25. ولقد ضمِنَ الله تعالى الرزقَ للجن والإنس، وأخبَر أنه هو الرزَّاق ذو القوَّة المتين؛ لأجل أنْ يتفرَّغوا للعبادة، وليستعينوا به على الطاعة، وليتميَّز أهلُ الشكر والإحسان، من ذوي الجحود والكفران، فتبًّا لمن شغلَه أمرُ الرزق عن عبادة الرازق، ويا خسارة من أبطرتْه النعمة فاستعملَها في معصية المحسن الخالق. فحقٌّ على كلِّ مؤمن بالله واليوم الآخر من الثَّقَلين أنْ يجتهدَ وسعه في أداء العبادة لله تعالى على وجْه الإخلاص، سليمة من الزيادة أو الانتقاص، بل يقوم بواجبات الطاعات، ويُكملها لتتميم نقْصها وتكميل أجْرِها بالنوافل والمستحبَّات، على وجْه الخضوع والتذلُّل والمحبَّة لله، والرغبة والاضطرار إليه وحدَه دون مَن سواه، ويتجنَّب المحرَّمات، ويحتاط لذلك باتِّقاء الشبهات؛ تعظيمًا لله وإجلالاً له، وخوفًا منه ورَهبة، فلا يتعلَّق القلب ولا ينشغل اللبُّ من العبد إلاَّ بالله تعالى فإنه سبحانه هو الذي خلَقَه من العدم، وربَّاه بأنواع النعم، وأنشأ له السمع والبصر والفؤاد، وبصَّره من العمى، وهداه من الضلالة، فما أعظم نِعمه على العباد!