ثلاث منجيات وثلاث مهلكات

ثلاث منجيات وثلاث مهلكات

 

قال صلى الله عليه وسلم: “ثلاث منجيات وثلاث مهلكات، فأما المنجيات، فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات، فهوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه”. حسنه الالباني. فيا له من كلام جامعٍ لمسالك الخيرات:

أما تقوى الله في السر والعلانية، فهي ملاك الأمور، وبها حصول الخيرات واندفاع الشرور، فهي مراقبة الله على الدوام، والعلم بقرب الملك العلام، فيستحيي من ربه أن يراه حيث نهاه، أو يفقده في كل ما يقرب إلى رضاه. وأما قول الحق في الغضب والرضا، فإن ذلك عنوان على الصدق والعدل والتوفيق، وأكبر برهان على الإيمان وقهر العبد لغضبه وشهوته، فإنه لا ينجو منها إلا كل صدِّيق، فلا يُخرجه الغضب والشهوة عن الحق، ولا يُدخلانه في الباطل، بل الصدق عام لأحواله كلها وشامل. وأما القصد في الفقر والغنى، فإن هذا علامة على قوة العقل وحسن التدبير، وامتثال لإرشاد الرب القدير في قوله: ” وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ” الفرقان: 67. فهذه الثلاث جمعت كل خير متعلق بحق الله، وحق النفس، وحقوق العباد، وصاحبها قد فاز بالقدح المعلَّى والهدى والرشاد.

وأما الثلاث المهلكات:

فأولاهنَّ هوى متبع: ” فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ” القصص: 50، فإن الهوى يهوي بصاحبه إلى أسفل الدركات، وبالهوى تندفع النفوس إلى الشهوات الضارة المهلكات. وأما الشح المطاع فقد أحضرت النفوس شحَّها: ” وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ” الحشر: 9، وأما إعجاب المرء بنفسه، فإنه من أعظم المهلكات وفظائع الأمور، فإن العُجب باب إلى الكبر والزهو والغرور، ووسيلة إلى الفخر والخُيلاء واحتقار الخلق الذي هو من أعظم الشرور.