إقبال متزايد على تعليم تقنيات الحساب الذهني السريع

“السوروبان” في الجزائر.. هل هو فائدة ذهنية أم حيلة تجارية؟!

“السوروبان” في الجزائر.. هل هو فائدة ذهنية أم حيلة تجارية؟!

بعد خروجهم من المدرسة، يلتحق بعض الأطفال في الجزائر بمركز متخصص في تعليم تقنيات الحساب الذهني السريع بطرق خاصة باستخدام “السوروبان الياباني”، بهدف تنمية القدرات الذهنية ولا سيما في مادة الرياضيات، كما يتلقى التلاميذ تقنيات أخرى لتنمية الذكاء والتركيز والثقة بالذات.

لم يعد “السوروبان” و”الحساب الذهني” غريبًا عند كثير من الجزائريين، وهو الذي انتشر في أكثر من 20 ولاية، وأصبح مقترحًا تارة في دورات التنمية الذاتية، وتارةً أخرى في مدارس الدروس التدعيمية، أو ما يُعرف بـ “الدروس الخصوصية”، كما لم يعد غريبًا اليوم، أن تجد داخل مدارس تقديم دروس الدعم لمختلف الأطوار التعليمية، قسمًا خاصًا لـ “السوروبان”، وكأنها مادّة مقرّرة في البرنامج.

ووصل الأمر إلى درجة طلب البعض بدمجها في المنظومة التربوية، “لما لها من فائدة على تنمية ذكاء الطفل” كما يعتقد البعض، غير أن البعض الآخر يقول إنها مجرّد تقنية “بسيطة” يُمكن تعلّمها بسهولة دون اللجوء إلى صرف الأموال، أو جعلها مادة مستقلّة في البرنامج الدراسي.

 

تقنيات القرن الرابع عشر

و”السوروبان”، هو تقنية عدّ يابانية، ظهر مع القرن الرابع عشر الميلادي، وهو تطوير للمعداد الصيني القديم الذي ظهر قبل ذلك بكثير، كما ظهر في كوريا.

يشبه “السوروبان” كثيرًا الآلة الحاسبة الإلكترونية التي غزت العالم في النصف الثاني من القرن العشرين، مع ثمنها الزهيد وسهولة استعمالها، إلى درجة قضت بشكل كبير على الحساب الذهني، وأصبح كثير من التلاميذ لا يحفظون حتى “جدول الضرب”، وهو أساس علم الحساب وعلوم الرياضيات والفيزياء بعد ذلك.

ولئن كانت القوانين صارمة في وقت سابق بخصوص الآلة الحاسبة الإلكترونية، حيث كان يُمنع استعمالها خلال الامتحانات الرسمية وغير الرسمية، بل وحتى داخل الفصول المدرسية، إلا أنّه مع مرور السنين، أصبح يُسمح باستعمال الآلة البسيطة دون الحاسبات العلمية، المصمّمة لحلّ المسائل العلمية في الرياضيات والهندسة، والقيام بالوظائف المعقّدة مثل رسم المنحنيات البيانية، وحساب الأرقام العشرية والكسور والمثلّثات والوظائف اللوغاريتمية.

بلغ أمر الاعتماد على الآلة الحاسبة مداه، إلى درجة أن أحد الكُتّاب الساخرين، قال إنّه في حالة وقوع كارثة على الأرض، ودُمرت كل الأجهزة والمنشآت، فإنّ القائمين على شؤون البلدان، سيضطرون للبحث عن القلة القليلة جدًا من الذين ما يزالون يحفظون جدول الضرب من أجل إعادة بناء العالم من جديد.

ظاهرة بأبعاد اجتماعية وتجارية

وفي ظلّ العولمة والبحث عن الأنظمة التعليمية البديلة، جاء من أحيا طريقة “السوروبان” بدافع الفضول ثم تحوّل إلى ظاهرة اجتماعية وحتّى تجارية، تكاد تنافس التعليم الرسمي، وأصبح الكثير يطالب بها كمادة قائمة بذاتها في المقرّرات المدرسية.

ومن روّاد “السوروبان” في الجزائر المدربة خديجة بوخالفة، صاحبة برنامج “علمني السوروبان” الذي استقطب الكثير من الأطفال على مستوى أكثر من عشرين ولاية جزائرية، واستطاع بعضهم الفوز بميداليات ذهبية وفضية في كثير من المسابقات الدولية التي تجرى في تركيا وغيرها من البلدان.

وحول هذا الموضوع، تقول المدرّبة خديجة بوخالفة إنّ مدرستها انطلقت في التجسيد سنة 2008، وإن الفكرة بدأت مع اكتشاف تلك التقنية “التي أثبتت نجاعتها في أكثر من 80 بلدًا أجنبيًا”. وانطلقت في تدريب الأطفال عبر “مركز BBF للتدريب والتطوير”، ولأنّها آمنت بالفكرة فقد انتشرت عبر مختلف ربوع البلد.

وكانت البداية في مدينة بسكرة قبل أن تتحوّل إلى ولاية باتنة المجاورة. وكان التحدّي الأكبر هو إقناع أولياء التلاميذ بالفكرة الجديدة، قبل أن يروا نتائجها الميدانية وآثارها على الأرض، ولعل أهمّها كسر الحاجز النفسي أمام شبح الرياضيات.

تكوين المدرّبين

وعلى غرار دورات التنمية البشرية، أصبحت تقام دورات لتدريب المدرّبين، حيث يُمكن أن تقام الدورة في ستة أيّام عبر مختلف أنحاء البلد، ومن هنا أصبح المدرّبون ومدارس التعليم الذهني في تزايد مستمرّ.

ويتم الاتصال بالراغبين في الالتحاق عبر حسابات المدرسة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعندما يكتمل نصاب أصحاب الطلبات في أي ولاية من ولايات البلد، تُقام الدورة خلال أيّام، ويحصل المتدرّب على دبلوم يمكّنه من الاشتغال به، سواءً عن طريق بعض المدارس الخاصّة التي تقدّم دروسًا خصوصية في مختلف المواد التعليمية، أو يفتح له مدرسة صغيرة متخصصة.

ومع انتشار مدارس “السوروبان” عبر مختلف أنحاء الجزائر، يتجدّد الجدل في كلّ مرة عن جدوى هذه الطريقة، بين من يعتبرها مجرّد “حيلة تجارية” على غرار كثير من مراكز التنمية البشرية، وبين من يُدافع عنها إلى درجة المطالبة بدمجها في المنظومة التربوية.

لمياء. ب