كانت ثاني سهرات المهرجان الدولي للموسيقى الأندلسية والموسيقى العتيقة في طبعته 13 تركية الأجواء، حيث قادت غولاي هاجر تورك وفرقة هازان جمهور أوبرا بوعلام بالسايح إلى عوالم سحرية، وحلقت بصوتها
الملائكي إلى أجواء روحانية مستحضرة أساطير القراصنة والعشاق والشعراء الجوالين.
رغم أن غولاي غنت بالتركية ولكن اللغة لم تكن عائقا أمام الجمهور ليتجاوب ويتفاعل مع أداء الفرقة، إذ كسرت الموسيقى الحاجز اللغوي وكانت لغة أخرى أسرت الجمهور وأخذته بعيدا إلى جبال الأناضول، حيث كان الشعراء يعانقون تلك الآلة التي تشبه العود ذي المقبض الطويل التي تدعى “ساز”.
على إيقاع أوتار هذه الآلة، ضبطت غولاي هاجر إيقاع صوتها وكان الجمهور يدرك ويفهم ما تردد حتى وإن لم يستوعب لغتها. لكن خامة صوتها شدت الحضور واستطاعت أن تجاري أوتار الآلة وتعبر عن الحزن والفرح والحرقة والرجاء وبإبداع وصلت رسالتها إلى جمهورها في كل حالاتها.
مزجت الفرقة في أدائها بين عدة آلات تعكس غنى التراث والتقاطع الحضاري بين موسيقى حوض المتوسط والبحر الأسود، فعلى إيقاع البندير والعود استحضر جمهور قاعة أوبرا بوعلام بالسايح بعض مقاطع الموسيقى الجزائرية قد يكون صادفها أو استوقفته يوما ما. كما أعادت آلة القانون تحت قيادة الجزائري السيد رفيق صاحبي إلى الأذهان الإيقاعات العربية التي عبرت الحضارات واستوطنت القلوب والذاكرة والتراث المتقاطع لشعوب ضفتي المتوسط، بل وطوعت أذواقا وانضوت تحتها عدة إيقاعات وألحان منذ قصور العباسيين إلى زمن الوصل بالأندلس.
هاجر تورك وفي ثالث وقوف لها أمام الجمهور الجزائري تمكنت من أسر القلوب والعقول بتقديم باقة من الأغاني التراثية القديمة لبلدها، وما جمعته رفقة فرقتها من تراث بلد الأناضول التي ضمت مزيجا من الثقافات والحضارات من الأرمن إلى اليونان والأكراد، وقد نجحت غولاي بإيصاله على تنوعه وثرائه إلى الجمهور الذي صفق طويلا لصوت أضفى دفئه على مساءٍ بارد في أوبرا الجزائر.