تُدخل المقبلين عليها في دوامة.. تكاليف الأعراس تُثقل كاهل الشباب

تُدخل المقبلين عليها في دوامة.. تكاليف الأعراس تُثقل كاهل الشباب

أصبح واقع المغالاة والتباهي في إقامة الأعراس هوسا اجتماعيا لا مفر منه، إذ نجد غالبية المقبلين على الزواج يحسبون للأمر ألف حساب بإعداد قائمة مسبقة لبرنامج الحفل الذي أضحى يتسم بالبذخ والإسراف على أشياء كمالية باتت ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها عند الكثيرين.

تعاني الأسر المقبلة على تزويج أحد أبنائها الأمرين، بعد أن بلغت تكاليف الأعراس حدودا خيالية، وباتت تسن موسما عن آخر سننا جديدة في البذخ والإسراف، تتحول بعدها إلى تقليد راسخ وواجب الإتباع، والملاحظ أن واقع هذه الحفلات قد تجاوز المعقول، حيث بات التنافس سمة تميز أعراس اليوم من دون التفكير في تبعات ذلك سواء على الصعيد الشخصي أو المجتمعي، في حين نجد بعض العائلات التي تعتزم إقامة حفل زفاف أحد أبنائهم يعيشون حالة قلق وتوتر عام مع اقتراب موسم الأعراس والمناسبات العائلية الذين طغت عليها مظاهر التفاخر، الإسراف والبذخ، بدءا من قاعة العرس حيث أصبح كراء أبسط قاعة على الإطلاق في العاصمة لا يقل عن عشر ملايين سنتيم، فضلا عن الحلويات التقليدية التي لا يقوم العرس بدونها، والأهم من ذلك “تصديرة” العروس، ولا ننسى وليمة العشاء التي تتنوع فيها الأطباق والأكلات، بينما لم تكتف بعض العائلات بذلك وصارت تقيم عرسها بحضور مطربين معروفين، فضلا عن استبدالها طبق الكسكسي بالكباش المشوية، والغريب في الأمر هو لجوء مقيمي الأعراس إلى هذه التفاصيل المكلفة حتى إن دفعتهم للاستدانة والبقاء سنوات بعدها أسرى لسد دين تلك الليلة.
خروج عن المألوف وتوجه نحو التكلف

انساقت الأعراس الجزائرية في السنوات الماضية وراء مظاهر الموضة والتركيز على المظاهر المادية التي عصفت بجوهر الأعراس، وهو ما روجت له مواقع التواصل التي كثيرا ما تنشر قطع فيديو لأعراس تزكي بعض العادات الدخيلة لأعراس فخمة، فأصبح صاحب العرس يكلف نفسه ماديا ومعنويا حتى أصبحت الأعراس بعيدة عن معانيها الحقيقية المتمثلة في التضامن وتمتين العلاقات بين العوائل والأسر، بدأت تخرج عن طابعها المألوف والمحافظ على الأعراف والتقاليد الضاربة في أعماق التاريخ باعتبارها مواعيد سارة يتلاقى فيها الأحباب والأصدقاء والأهل والأحبة لإعلان ميلاد أسرة جديدة وارتباط بين عائلتين على سنة الله ورسوله في أجواء مملوءة بالفرح والسرور ومفعمة بالبراءة والرومانسية والغبطة تستمد جذورها من الحياة البسيطة.

 

غلاء وتدهور في المستوى المعيشي

يحمل الكثير من الشباب همّ الزواج، فتدبر تكاليف زواجهم التي تتجاوز في بعض الأحيان الـ 80 مليون دج، لا تتوافق مطلقا مع قدرتهم المعيشية ودخلهم المادي، إذ يرغب الغالبية في تحقيق عرس مثالي رغم إمكانياتهم المادية المحدودة، وقد أرجع البعض غلاء المهور إلى العادات الاجتماعية لبعض المناطق من البلاد الذي عادة ما يفوق العشرين مليون دينار، مضيفا التكاليف الجانبية التي يتكبدها الشاب أثناء فترة الخطوبة بما يسمى بـ “المهيبة”، وآخرون يرجعونها إلى ارتفاع أسعار الذهب التي تستوجب غلاء المهور، ويرون أن ذلك سبب رئيس لعزوف الشباب عن الزواج وازدياد حالات العنوسة، وتفشي العلاقات غير الشرعية بين الشباب.

عائلات تغرق في الديون بسبب الأعراس
يعتبر مراد الذي تزوج مؤخرا، أن الزواج بات مصدرا أساسيا لتكبد كثير من الشباب وذويهم للديون، أما بالنسبة للشاب المقبل على الزواج عبد الرحمن. ع، الذي كان في محل الذهب، فيقول: “تكاليف الزواج باهضة جدا، خصوصا مع ارتفاع أسعار ملابس الجهاز، بالإضافة إلى الذهب والمهر المتفق عليه نحو 50 ألفا دينار، إضافة إلى تكاليف الوليمة وصالة الفرح والأقمشة والعطور وغيرها”، مشيرا إلى أنها تصل إلى 200 ألف دينار وأكثر. ويضيف: “نحن نعاني من العادات الاجتماعية التي أصبحت مفروضة علينا على رغم معرفة الجميع بأنها خاطئة، فحتى أسرتي ترى ألا يقل زواج ابنها عن بقية الأفراح في المدينة أو القرية مهما وصلت التكاليف، لافتاً إلى أن ذلك نتيجة الجهل ومجاراة العادات الاجتماعية الخاطئة.

من جهته، يوجه رشيد التهم في ذلك إلى النساء، إذ أن كثيرا من الأموال تهدر عليهن وحاجاتهن غير الأساسية، وينتشر هذا في المدن الكبرى خصوصا في العاصمة، وهران، تلمسان وقسنطينة، مشيرا إلى أن الحياة المدنية تتحكم في أمور الزواج والغلاء الفاحش.

التحايل على التكاليف هو الحل للعائلات البسيطة
تلجأ بعض العائلات البسيطة إلى التقليل من تكاليف ليلة الزفاف والتحايل عليها سواء بصنع الحلوى في البيت أو تفصيل جهاز العروس و”التصديرة” عند الخياطة بدلا من شرائها جاهزة، لأن ذلك يفرق كثيرا في الثمن، فضلا عن الاستغناء عن قاعة الحفلات والعودة إلى أعراس البيت والسقف التي ميزت أجيالنا السابقة، تماما كما استغنت بعض المقبلات عن الزواج على طاقم الذهب واكتفت بخاتم الزفاف، فيما ذهبت بعض العائلات إلى أبعد من ذلك وفضلت إقامة عرس مشترك بين العريس والعروس ومنه تقاسم كل الأعباء، كما فضلت أسر أخرى تزويج أخوين في ليلة واحدة، كما فعلت حورية وهي سيدة تقطن برويسو أين زوجت ولديها حسين وعيسى في ليلة واحدة ولم تأبه لتحذيرات الجيران والأقارب من إصابتهم بالعين الحسودة، قائلة: “أنا إنسانة مؤمنة وعلى يقين أنه لن يصيب أبنائي أي مكروه إلا بإذن الله، وأفضل تزويجهم في عرس واحد لأن ابني علي لا يملك المال الكافي ليقيم حفل زفاف، وراتبه البسيط لا يسد سوى تكاليف المهر”.
أما غنية وهي شابة في أول العمر فقد استغنت عن الكثير من تفاصيل العرس نظرا لقلة إمكانياتها المادية، حيث فضلت إقامة عشاء بسيط للعائلة والأقربين ليكون إشهارا لزواجها.

ق. م