توكل الأنبياء عليهم السلام

 توكل الأنبياء عليهم السلام

مرت الشدائد والمحن بأفاضل البشر فقابلوها بالتوكل واليقين، والثبات على الحق المبين، وقد سطر رسل الله تعالى في تحقيق التوكل ما يجل عن الوصف؛ لثقتهم بالله تعالى، ويقينهم به، وعلمهم بأسمائه وصفاته وأفعاله، فكانت عاقبة أمرهم فلاحا وفوزا. مكث نوح في قومه قرونا تباعا يدعوهم، فقابلوه بالسخرية، وناصبوه العداوة، وكادوا به كيدا عظيما، ومكروا مكرا كبارا، فما قابل كيدهم ومكرهم وجمعهم بغير التوكل على الله تعالى، وهم أمة وهو واحد، فقال لهم ” يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ” يونس: 71. يالها من ثقة بالله عظيمة، واعتماد عليه وحده لا شريك له، لم يهب جمعهم، ولم يخش كيدهم، ولم يترك دعوتهم. ولما خوّف قوم هود هودًا بآلهتهم تبرأ منهم ومن شركهم، وقابل تهديدهم بتحديهم، ولم يكن له سلاح ولا قوة إلا التوكل على الله تعالى، قال لهم ” فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ”  هود: 55، 56..

وتبرأ الخليل عليه السلام من شرك قومه، وهو يعلم ما قد أضمروه من الشر له، وما قصدوه من البطش به، ولم يكن له سلاح يواجه كيدهم به إلا التوكل على الله تعالى فقال عليه السلام داعيا ربه عز وجل ” رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ” الممتحنة: 4. ولما ألقوه في النار ظهرت حقيقة توكله بقوله حسبي الله، فكانت النتيجة آية باهرة، ومعجزة ظاهرة ” قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ” الأنبياء: 69، 70. فمن ذا الذي يخاف كيد الكافرين وقوتهم، وكيد المنافقين ومكرهم بعد هذه الآيات البينات في توكل الخليل ونجاته. ولما ألمت بيعقوب عليه السلام الملمات، واجتمعت عليه الكربات، وتكالبت الهموم، وتوالت الغموم؛ لم يكن له مفزع يفزع إليه إلا الله تعالى، فألقى عن كاهله حمله، وأخلص لله تعالى قلبه، وملأه بالتوكل واليقين، وقال بحزم وعزم، ويقين وتصديق ” إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ” يوسف: 67. فأزال الله تعالى همه، وكشف كربه، ورد عليه بصره، وأرجع له ولده، ورفع مقامه، وأعلى ذكره، فها نحن بعد قرون من زمنه نتلو قصته، ونذكر صبره وتوكله.

وقابل شعيب عليه السلام تكذيب قومه وصدودهم وتهديدهم بإعلان التوكل على الله تعالى فقال عليه السلام ” وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ” الأعراف: 89. وقال أيضا: ” تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ” هود: 88. وبالتوكل واجه موسى غليه السلام أعتى طاغية ادعى الربوبية، وعبّد لذاته كل البشرية، وامتحن الناس على ذلك بالقتل والتعذيب، حتى مسّ المؤمنين منه بلاء شديد، وأصابهم كرب عظيم، فدعاهم موسى عليه السلام للتوكل حصنا يتحصنون به من الفتنة، وطوقا ينجون به في شدة البلوى ” وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ” يونس: 84 – 86. فكانت عاقبة توكلهم على الله تعالى أن نجاهم وأهلك أعداءهم. وأما نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمره الله تعالى بالتوكل في كثير من الآيات “وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ” الفرقان: 58. وحين يقرأ المؤمن سير الأنبياء في القرآن الكريم يجد أن التوكل على الله تعالى هو حصنهم في مقابلة الشدائد، وهو أمضى سلاح واجهوا به المكذبين من أقوامهم؛ ولذا أعلنوا جميعا توكلهم على الله تعالى،  فسبحان ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة.