توكل الأرزاق

 توكل الأرزاق

همُّ الرزق همُّ يلازم الأنام؛ يُنشّأ عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، وتغص بخبره وتباثِّ تباريحِه المجالسُ ومواقع التواصل. وذلك من سنّة الكبد التي خلق الإنسان فيها. وكان لذلك الهم بالغ الأثر في تباين سبل بحث الخلق عن مظان الأرزاق، مع ما صاحبها من شؤم تنكّب الهدي الرباني في ذلك؛ حين يتملّك الهمُّ قلبَ صاحبه؛ فيسوء ظنه بربه، ويبخل بالحق، ويعتدي على الخلق، وتخيّم سحبُ اليأسِ القاتمةُ على سماء فؤاده العليل إن قُدِر عليه رزقه. هذا وقد أرشد الرزاق الكريم لسبب عظيم من أسباب الرزق، مضمون الأثر، حلو الثمر، ويصلح به حال الدنيا والآخرة؛ وذلك ما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ” لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصاً “أي: جياعاً”، وتروح بطانا “أي: شباعاً”، رواه الترمذي وقال: “حسن صحيح”.

يا لروعة هذا المثل اليومي المقنع لمن تأمله؛ حين تُرى هذه الطيورُ سابحةً كلَّ يوم في جو السماء تبحث عن رزقها الذي خبأه الله لها؛ تبصر العيون ذلك المشهد، ولكنّ القلوب قد لا تدرك السر الذي أحرزت به تلك الطيور الصامتة رزقها؛ ذلكم هو التوكل على الله حق توكله. وقد سئل الإمام أحمد عن حقيقة ذلك التوكل الذي يجلب الله به الرزق؛ فقال:  ” أن يتوكل على الله؛ ولا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيئه بشيء، فإذا كان كذلك كان الله يرزقه، وكان متوكلاً “، وذلك الرزق من كفاية الله المتوكلين عليه، ” وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ” الطلاق: 3، وجزاء حسن ظن المتوكل به، والله عند ظن عبده به، وفيض من محبته لأهل التوكل، ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ” آل عمران: 159. وليس ذاك التوكل مدعاة لترك الأسباب، بل مباشرتُها من حسن التوكل وتمامه؛ إذ هو ابتغاء لفضل الله ورزقه، يحدوه حسنُ ظنٍ واعتقادٌ أن رزق الله من عطائه الذي لا يسوقه حرص حريص، ولا يمنعه كراهية كاره.