لا تفوت العائلات الجزائرية فرصة الاحتفال ببعض المناسبات التي تمر عليها كونها دولة مسلمة، وتدخل هذه المناسبات ضمن عاداتها ومعتقداتها، حيث تتفنن في تحضير أشهى الأكلات التقليدية مهما كانت صعوبتها، ويحل علينا غدا أول محرم، وهي المناسبة التي تعتبرها الأسر الجزائرية فرصة للم الشمل وإعداد مأدبة عشاء يكون فيها الطبخ التقليدي سيد المائدة ليلة الاحتفال. وأهم الأطباق التي تزين الطاولة عشية الفاتح محرم، نجد الرشتة في العاصمة الجزائرية والشخشوخة البسكرية في الجنوب، والكسكس في منطقة القبائل والتريدة في الشرق الجزائري، والسفة بالعنب الجاف في الغرب… كل حسب عاداته ورغباته.
تعتز العائلة الجزائرية بهذه المناسبة الدينية العظيمة، وتحضّر للاحتفال بها، وتحرص على أن تكون احتفالاتها بأول محرم عادة سارية بين أبنائها على مدى الأجيال المتعاقبة. وقد اختلفت طريقة الاحتفال بهذا اليوم من عائلة لأخرى، من جهة أخرى شدد العديد من الفاعلين الاجتماعيين على ضرورة تذكير الأطفال والشباب خاصة بسيرة الاحتفاء بهذا اليوم لاعتباره حدثا هاما في التاريخ الإسلامي.
أولياء يغتنمون الفرصة لتلقين أبنائهم التقويم الهجري
تختلف طرق الاحتفال بأول محرم لدى العائلات الجزائرية حسب عادات وتقاليد كل منطقة، في حين أن البعض من العائلات وجدت في هذه المناسبة الدينية العظيمة فرصة لتلاوة آيات من القرآن الكريم، وتلقين أبنائهم مفاهيم هذا اليوم وتاريخه ومكانته بالنسبة للمسلمين وكذا بقيمة السنة والتقويم الهجري اللذان يعتبران أساس تحديد جميع أيام المناسبات والشعائر الدينية من أعياد وحج وعمرة وغيرها، وهو ما أعرب عنه محمد الذي أكد على أهمية تواصل الاحتفال بهذه المناسبة وجعلها عادة سارية على مدى الأجيال المتعاقبة، ليقول إنه زيادة على الاحتفال بإعداد الأطباق المميزة، فهو يغتنم الفرصة لجمع أبنائه وتذكيرهم بأهمية يوم رأس السنة الهجرية والذي يعتبر ذكرى حدث هجرة الرسول، عليه الصلاة والسلام، من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة رفقة أصحابه، ولم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لحميد، الذي قال إن الأول من محرم هو اليوم الأول في التقويم الهجري، وأضاف محدثنا أن الكثير من أبناء الجيل الجديد يجهلون أهمية هذا اليوم في السيرة النبوية وتاريخه، حيث يعمد إلى تلقين أحفاده من أطفال وحتى شباب عن صاحب فكرة هذا التقويم وهو الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله، الذي جعل هجرة الرسول، عليه الصلاة والسلام، من مكة إلى المدينة مرجعا لأول يوم فيه، كما تقوم العديد من المساجد بإقامة حلقات دينية حول سيرة النبي وللذكر وللتعريف بهذه المناسبة الإسلامية وأبعادها الدينية الكثيرة.
اعتزاز بالمناسبة وتحضير لها
وقد اختلفت مظاهر الاحتفال بهذا اليوم من عائلة لأخرى ومنطقة لأخرى وذلك بإعداد أشهى وألذ الأطباق التقليدية مثل الكسكسي، الرشتة والشخشوخة وغيرها من الأطباق التقليدية التي تكون في مجملها مرفقة عادة باللحم أو الدجاج، وفي هذا السياق، كانت قد بدأت العديد من المحلات والأسواق، وإن كانت محتشمة نوعا ما هذه السنة، بالتحضير لهذه المناسبة الدينية وذلك بعرض شتى أنواع العجائن والحلويات والمأكولات الخاصة بأول محرم، خاصة أن الكثير من السيدات يفضّلن اقتناءها جاهزة بدل تحضيرها منزليا، حيث تعمد أغلبية الأسر الجزائرية إلى تحضير أطباق تقليدية مميزة وجمع جميع أفراد العائلة حول مائدة واحدة، حيث تعتبر فرصة أيضا للم شمل العائلة، ومن العادات المتوارثة بين الأجيال والتي لا تزال بعض العائلات الجزائرية محافظة عليها هي عادة القصعة أو كما يعرف بالعامية “الحفنة” التي يكون المبدأ فيها باختيار جفنة كبيرة وإحضار أصغر طفل في العائلة ووضعه بداخلها، ثم تقوم الجدة أو أكبر امرأة بالعائلة بصبِ كيس من الحلويات فوق رأس الصغير، حيث وحسب العادات والتقاليد، فإن هذه العادة تقام لفأل الخير مع دخول السنة الجديدة ولتكون السنة مزدهرة وحلوة على العباد والبلد، ليتم بعدها حمل الحلويات المتساقطة وتوزيعها على كل أفراد العائلة في أجواء أسرية مميزة وحميمية، ومن بين العائلات التي لم تتخل عن هذه العادة القديمة إلى يومنا هذا عائلة الجدة زليخة التي تقول إنها لم تتخل يوما عن العادات والتقاليد، لتضيف أن أول محرم له مكانته وطريقته الخاصة للاحتفال به، فهي تعتبره بمثابة عيد تحضّر فيه الحلويات وكذا طبق الرشتة بالدجاج الذي يعتبر من أهم الأطباق التي تعدها العائلات العاصمية بمناسبة أول محرم، وتقول محدثتنا إنها وبهذه المناسبة، تقوم بدعوة جميع أبنائها وبناتها المتزوجين لتناول العشاء وقضاء أوقات طيبة وجميلة رفقة العائلة. ومن جهتها، قالت صبيحة إن العديد من الأسر الجزائرية أصبحت لا تحتفل بهذا اليوم لعدة أسباب، لكنها تقول إنها وعائلتها يولون هذا اليوم اهتماما كبيرا، حيث تقول إن والدتها قد بدأت التحضير لهذا اليوم مبكّرا عن طريق شراء لوازم الاحتفال به من “دراس”، وهي ذلك الخليط المكون من أنواع مختلفة من الحلويات بالإضافة الى الفول السوداني الذي يباع خصيصا لهذه المناسبة، مع شراء السميد والدجاج لاستعمالهما في تحضير طبق الشخشوخة وتقديمه لأفراد العائلة يوم أول محرم.
الأئمة: الهجرة غيّرت مجرى التاريخ الإسلامي
وفي ذات السياق، أكد عدد من الأئمة الجزائريين أن الشعب الجزائري ينتمي إلى الأمة الإسلامية العريقة التي لها امتداد في التاريخ، والتاريخ الهجري وضعه الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فقد كانوا في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، يؤرخون للأحداث وجرى اختلاف في التأريخ، فهناك من قال نبدأ من غزوة بدر باعتبارها أكبر انتصار للمسلمين ولكن اتفقوا في الأخير على أن يجعلوا هجرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، أول أيام السنة باعتبار شهر محرم من الأشهر الحرم الأربعة، ويعد هذا اليوم فرصة للأولياء لتعريف الأطفال خاصة، كما سبق ذكره، بسيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، والأسباب التي هاجر من أجلها سيدنا محمد من مكة إلى المدينة حاملا معه رسالة عظيمة للبشرية. ومحرّم شهر عظيم مبارك كان شاهدا على الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة المنورة، حدث فاصل بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية، هما المرحلة المكية والمرحلة المدنية، حيث غيّرت الهجرة مجرى التاريخ الإسلامي وشيّدت على إثرها الدولة الإسلامية. ومن المعروف أن عمر بن الخطاب هو من أرّخ للتاريخ الهجري أثناء خلافته وكان ذلك باستشارة الصحابة، رضوان الله عليهم، وقد اختاروا حادثة هجرة النبي، صلى الله عليه وسلم، لأنه غيّر مجرى التاريخ، فهو بداية إنشاء الدولة الإسلامية الفتية بعد أن كان يعاني وأصحابه من الجوع والقهر وأقصى أنواع التعذيب، فبداية الهجرة كانت بداية بزوغ النور والبداية في تكوين أمة ودولة حكمها الرسول، صلى الله عليه وسلم.
ق. م