تتميز ولاية تقرت بمناظر طبيعية خلابة من جمال رمالها الذهبية وكذا واحاتها وجبالها البركانية ويوجد فيها ما يقارب مليوني نخلة، وهي محاطة ببساتين جميلة تأسر قلوب الزائرين، كما أن شوارعها الرئيسية مزينة بأزقة ضيقة وبيوت ذات طابع عمراني صحراوي، حيث تبرز أصالة وتاريخ المنطقة وأهلها الكرماء.
أصبحت تقرت بفضل التنوع الإيكولوجي ومسطحاتها المائية التي أدرجت بموجب اتفاقية” رامسار” الدولية للمناطق الرطبة من الأماكن التي تعشش فيها مختلف أسراب الطيور المهاجرة التي تنتقل على رواق الهجرة بين أوروبا وإفريقيا، والتي تكيفت مع المميزات المناخية للمنطقة، وجعلت منها مواقع للغذاء والتكاثر، ويعود أصل هاته المسطحات المائية إلى وادي ريغ الذي كان يجري على سطح الأرض وغار ليخلف منابع مائية على نفس خط الوادي.
قبائل مختلفة أنشأت الحضارة وصنعت التاريخ
سكنت تقرت قبائل متعددة أصلية ومتوافدة جمعتها ظروف الحياة في حضارة ومميزات وعادات واحدة، وهذا التمازج والاختلاط الاجتماعي في العيش جعل عاداتهم متطابقة، فلا يكاد الباحث في هذا المجال أن يميز بين الأصول والأعراف لولا بعض المصادر التاريخية التي تحدثت عن ذلك، وأهم عناصر المجتمع التقرتي هي:
الرواغة: هم الأوائل الدين ظهروا في القرن الخامس ميلادي بالمنطقة والذين طبعوها بطباعهم، هم يمثلون العنصر البربري الأمازيغي.
العرب: قدموا من الجنوب التونسي ومنطقة الزيبان عن طريق الهجرة وتمركزوا عبر وادي ريغ.
الزنوج: هم بقايا العبيد الذين خلفهم أسيادهم الإباضيون بعد هجرتهم من المنطقة، ومنهم الذين وفدوا إلى المنطقة عمالا وشغالين من بلاد السودان ومنطقة قورارة.
المولدون: وهو نتاج زواج مختلط بين الفصائل الثلاثة السالفة الذكر ويصعب اليوم معرفتهم، حيث انصهروا وذابوا ضمن التشكيلة البشرية عبر العصور والتكاثر بينهم كسائر سكان مناطق البلد.
القصور العتيقة.. للسكن وللحفاظ على التراث
ورغم ما تعرضت له هذه القصور، إلا أن هناك عائلات ما زالت تسكنها رغم المخاطر المحدقة بها من الانهيارات المفاجئة لبعضها خصوصا في فصل الشتاء وتهاطل الأمطار، ورغم أن السلطات قامت ببعض أعمال التهيئة ولكن في الواجهات الأمامية، أما في داخلها فهي كما هي واكتفت بالديكور الخارجي حتى تحافظ على لون المعمار التقليدي المشكل لهذه القصور، كما أقدمت على بناء محلات للصناعات التقليدية حتى تحافظ على تراث المنطقة وعراقة تقاليدها وأصول سكانها.
تالـــة… الواحة الساحرة تقاوم النسيان
في صمود أزلي وإرادة صامتة، تواجه تالة بمدينة تقرت النسيان وتتحدى أضرار الطبيعة وتأمل من مديرية السياحة إعادة بعث الروح فيها، من خلال الاهتمام بها ووضع ميزانية معينة لها لاستقطاب السواح الأجانب أكثر، وكذا إنعاش الحركة والنشاط الاقتصادي بالمدينة، فهذه المدينة تعتبر واحدة من أهم وأبرز المناطق السياحية في مدينة تقرت، حيث تعرف حركة نشيطة على مدى المواسم السياحية، نظرا لطبيعتها الخلابة وخصوصياتها الجغرافية وكثبانها الرملية.
وقد عرفت في السنتين الأخيرتين إقبالا كبيرا من طرف الزوار الذين بلغ عددهم حوالي 1850 زائرا من كل ولايات الوطن، خاصة وأن مساحتها تزيد عن 3000 متر مربع، حيث أن المتمعن لحضارة وتاريخ “تالة” يقف على مدى صمود هذه المنطقة الأثرية رغم العوامل الطبيعية. هاجر سكان منطقة “تالة” إلى قرية غمرة في أواخر سنة 1963 بسبب أمطار فجائية وكذا الجفاف وزحف الرمال الذي حل بالمنطقة، تشتهر منطقة “تالة “بكثبان رملية مترامية الأطراف ومغاراتها وقصباتها القديمة، مشكلة بذلك فسيفساء لوحة فنية تشكيلية مفتوحة على الطبيعة الصحراوية الشاسعة.
كثبان الرمال والصحاري القاحلة، جعلت المنطقة مقصدا سياحيا مميزا يفتتن بها الزائر أو السائح الذي يجد بين مكونات هذه الطبيعة، السكينة والهدوء، توفر واحات النخيل بمنطقة “تالة” جوا تقليديا يجعل الإنسان يتعايش مع أصالة وعراقة المنطقة، وهذه المرافق التقليدية منتشرة بشكل واسع في المنطقة لأنها تستقطب عددا كبيرا من السواح، كل هذه القدرات الطبيعية الهائلة والتي هي إلى حد الآن تعتبر عذراء ومادة خام تستوجب استغلالها بشكل عقلاني في إطار التنمية المستدامة، من جهة وهي دعوة للمستثمر للاستفادة من هذه القدرات الواعدة، وهي دعوة أيضا لكل زائر إلى الاستمتاع بمناظرها الخلابة. هذا، وتتميز منطقة “تالة” بمشهد غروب الشمس، وهي الميزة التي تميزها عن أغلب المناطق السياحية وتجعلها تنفرد بهذه الخاصية، وعلى هذا الأساس طالب سكانها الجهات المعنية بالتفاتة جادة من طرف المسؤولين وعلى رأسهم مديرية السياحة، وذلك بإعادة بعث الروح فيها بترميمها وتخصيص ميزانية لها وعدم الاستهانة بهاته الإمكانيات والثروات التي تملكها مدينة تقرت وضرورة تحويلها لقطب سياحي يستقطب أكبر عدد ممكن من السواح سواء من الداخل أو الخارج.
القصور والمساجد الأثرية تستقطب آلاف السواح
تشهد منطقة وادي ريغ توافد السواح من كل بقاع العالم منذ زمن بعيد نظرا لما تزخر به من معالم مصنفة وطنيا وعالميا، لغرض اكتشاف أسرار هذه المنطقة الغنية بالمعالم السياحية، والكنوز الأثرية، حيث تفقدها خلال السنة الماضية فقط أكثر من 10 آلاف سائح بينهم الكثير من الأجانب.
ولعل المجمع الثقافي “تماسين” يعد أحد أهم المعالم التاريخية والدينية، وهو صرح تعليمي، تخرج منه عدد كبير من الأئمة، يشرف عليه الدكتور الشيخ محمد العيد، وقد حظي بتدشينه رئيس الجمهورية الراحل عبد العزيز بوتفليقة عام 2001، ويضم المجمع عدة هياكل أهمها، مكتبة علمية عامرة بأكثر من 30 ألف عنوان مرقم حسب التقويم العشري الدولي، كما يضم قاعتين للمطالعة ذكور وإناث، وكذا فضاء للأنترنت، وقاعة كبرى للمحاضرات، حيث تم استحداث هذا الصرح العلمي الديني، وقاعة للخياطة والصناعات التقليدية، فضلا عن المدرسة القرآنية التي يتخرّج منها سنويا مئات الطلبة، وحفاظ كتاب الله، وتشهد بلدية تماسين، زيارات متتابعة من طرف السواح من داخل الوطن وخارجه، لما تحتويه من أسرار وكنوز ثقافية ودينية.
وتطرح الحقب الزمانية والتاريخية للإنسان الصحراوي بالمنطقة، خاصة القصر، الذي يعود تاريخه إلى 782 ميلادية، حيث تقارب مساحته 120000 متر مربع، ويعد بمثابة قلعة حربية يصعب اختراقها ويحيط به خندق وسور من جذوع النخيل على ارتفاع 12 مترا، ومن المعالم الأخرى مسجد سيدي عبد الله المغراوي، ومسجد القبة الخضراء، التي بنيت سنة 1789 ميلادية من طرف الولي الصالح الحاج علي التماسيني، والمسجد العتيق الذي يعد أكبر مسجد تقام به صلاة الجمعة بالبلدية، ومسجد باعيسى الشامخ من أقدم المساجد بقصر تماسين، وما يزيد المنطقة أكثر شهرة في العالم العربي والدولي، الزاوية التيجانية الكبرى المتواجدة بحي تملاحت، أسسها الخليفة الأول الحاج علي التماسيني، ويرجع تاريخ افتتاحها لعام 1220 هجرية 1805 ميلادية. يضاف إلى هذه المعالم الدينية، المسجد الجامع ومسجد سيدي الحاج علي التماسيني، ولاتزال هذه المساجد تستقطب عددا هائلا من السواح.
القصر القديم… حصن المنطقة وحاميها
يعد القصر القديم بتقرت قلعة سياسية وثقافية، بحيث روعي في بنائه الطابع الإستراتيجي حتى لا يستطيع العدو اقتحامه والفرار بسهولة، ويتموقع القصر على ربوة يبلغ ارتفاعها 08 أمتار وطولها حوالي400 متر وعرضها 300 متر، وأنت بداخله يخيل لك أنك في متاهة يصعب الخروج منها، ونشير إلى أنه كان قديما يحيط بالقصر خندق يحميه من اقتحام الأعداء، ويحيط به أيضا تدعيما للأمن والوقاية، سور أساسه مبني من جدوع النخيل، وهو ذو طابع فريد من نوعه بمنطقة وادي ريغ على العموم ارتفاع السور حوالي 12 مترا تتخلله أربعة مداخل، واحد منهم رئيسي وثلاثة منها ثانوية اضطرارية للمدخل الرئيسي الذي كان من الجهة الجنوبية ناحية السوق، أما المداخل الأخرى فكان أحدها من الجهة الغربية ويسمى “مدخل الخوخة” وكان يؤدي إلى بساتين النخيل، والثاني يؤدي مباشرة إلى المسجد، حيث يتمكن الغريب عن البلدة من دخول المسجد دون إزعاج الأهالي، والمدخل الأخير يوجد بالجهة الشمالية الغربية للقصر، وهو من جهة القصبة “دار السلطان” وهي خاصة بالسلطان وحاشيته وبعض المرافق مثل دار العلماء، ويعود تاريخ تأسيس القصر القديم إلى سنة 782 م أي بعد حوالي 59 سنة من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم حسب أغلب الروايات.
عادات راسخة تميز المنطقة وتجلب السواح
تعكس العادات والتقاليد لأي مجتمع مدى التراث الثقافي الذي يحمله ذلك المجتمع، وهي كذلك تحميه من الزيغ يمينا أو يسارا عما رسمه الأولون وخططوا له، ويمكننا أن نعتبر العادات والتقاليد إحدى وسائل الضبط الاجتماعي وخاصة ما يتعلق بالجانب الديني والعرفي، لما لتلك الوسائل من مكانة وقيمة منحها إياها المجتمع، وأهم هذه العادات والتقاليد التي تساعد في تنمية المنطقة وجلب السواح، الصناعة التقليدية، فمن هذه الشجرة الطيبة التي كان يقتات الأهالي من تمرها، وقد تعددت أنواعه وسمي بأسماء مختلفة تعود إلى البيئة واللهجة المحلية، ومن التمر يصنعون العصير والمعجون والعسل ولأهل تقرت طرق خاصة في تحضير هذه المشتقات وتصبيرها، وينتفع من النخيل في العديد من المصنوعات الخشبية كالأبواب والكراسي والأسرّة والمكنسة،
ومن بين المصنوعات الأخرى نجد الحيوانات والتي منها الأنعام فسكان المنطقة كانوا يربون الحيوانات ومنها الأنعام فيأكلون لحمها ويشربون لبنها ويتخذون من جلودها أثاثا ومتاعا، ومن بين المصنوعات الحيوانية نجد “القربة”،”الشكوة” و”الرقعة” ومن المنسوجات الصوفية والقطنية نجد البرنوس، الزربية، الأغطية، ومن المصنوعات الطينية نجد القدر، الكسكاس، الزير، القلة، أما من المصنوعات الحديدية نجد المنجل، الفأس…
التنوع الثقافي.. يصنع فرجة السواح
يمتاز الفلكلور بتقرت بتنوع ثقافي متميز جعل منها منطقة جلب للسواح من الداخل والخارج، خاصة عند تنظيم السهرات الصحراوية، ومن أهم نشاطات الفلكلور نجد:
المدائح الدينية: تتكون فرق المدائح الدينية من 12 إلى 15 فردا، تصحبهم آلات الدربوكة، النقارات والدف، وهي تقوم بأناشيد دينية، واختتام ذكرى المولد النبوي بقصيدتي الشيخ البصيري، والبردة والهزيمة في كل المناسبات الدينية والوطنية والأفراح كالأعراس والختان وقدوم الحجيج.
– سيدي عمار: هذه الفرقة مشهورة في هذه البلدة وتتألف من عشرة إلى اثنى عشرة فردا عازفان على قصبة الناي وضاربان على الدف، أما البقية من الأعضاء فيقومون بالغناء والرقص، وفي هذه الرقصة تظهر بعض الأعمال السحرية والبهلوانية.
الحضرة: أما الحضرة فهي شبيهة بالفرقة العمارية مع اختلاف بسيط يتمثل في أن الحضرة تقتصر على استعمال الدفوف، إضافة إلى الأهازيج التي يطلقونها مع العلم أن الحضرة تؤدى وقوفا خلافا إلى سيدي عمار الذي يؤدى جلوسا وأهل الحضرة هم كذلك يقومون بأفعال بهلوانية سحرية.
فرقة المزود: تتكون من ثلاثة إلى خمسة أشخاص وهي تقوم بالعزف على المزول مصحوبة بالضرب على الطبل وأداء الغناء بصورة جماعية مع الرقص.
الزرنة (المزمار): تتألف هذه الفرقة من ثلاثة إلى خمسة أشخاص عازف على المزمار وضاربان على الدف أو الطبل الربوخي (عرس النساء): تتألف هده الفرقة النسائية من ثلاثة الى خمسة أفراد يقمن بالغناء والضرب على الدف وتتزعم الفرقة فنانة معروفة في الأوساط النسائية، أما باقي المتفرجات فيقمن بالرقص بالتناوب مع رش العطور والروائح وتقديم الهدايا إلى المغنيات وكذا للعروسة وأهلها وهذا يتم داخل دار خاصة بهن، هذا باختصار عن بعض العادات والتقاليد التي تمتاز بها منطقة تقرت، ومنها ما هو باقي إلى اليوم وهناك ما هو ذاهب إلى الاندثار، وهذا شيء واقعي تقتضيه طبيعة الحياة البشرية وميكانيزمات التغيير الاجتماعي والثقافي.
توسيع الجامع الكبير… أهم مشروع بالمنطقة
سيعرف الجامع الكبير بتقرت أشغال ترميم واسعة في إطار جهود المحافظة وحماية هذا المعلم الديني العريق، ويرتقب أن يتم تحديد مكتب دراسات متخصص في هذا النوع من مجالات الترميم لمتابعة والإشراف على هذا المشروع المسجل ضمن البرنامج القطاعي، والذي يستهدف التدخل الاستعجالي بهذا المعلم الديني الهام الذي تشتهر به منطقة تقرت بغرض حمايته من الاندثار باعتبار أنه يعد واحدا من المواقع الأثرية ذات القيمة التاريخية الذي تزخر به هذه المنطقة من الجنوب الشرقي للوطن، كما أوضح مسؤولو مصلحة التراث بمديرية الثقافة. وتضاف أشغال الترميم المرتقبة إلى سلسلة من العمليات المشابهة التي سبق وأن قامت بها مصالح بلدية تقرت من أجل إعادة الاعتبار وتأهيل هذا المعلم الأثري المهدد بعوامل التدهور، والذي يعود تاريخ تشييده إلى القرن 19 حسب ذات المصدر.
ويضم الجامع الكبير أو ”الجامع العتيق” الذي يقع بقصر ”مستاوة” القديم بقلب مدينة تقرت ساحة واسعة محاطة بعدد من الأقواس وقبة كبيرة خضراء ومنارة مربعة الشكل، بالإضافة إلى فناءين صغيرين ونافورة. كما يتوفر هذا المعلم الديني على قاعة كبيرة للصلاة تعلوها قبة إلى جانب محراب مزين بالنقوش والمنمنمات على الجبس وعشرات الأعمدة والأقواس. ويعد الجامع الكبير أو مسجد بني جلاب الواقع بقصر “مستاوة” العتيق من أعرق المساجد بالمنطقة، حيث بادر بتشييده الشيخ إبراهيم بن محمد بن جلاب سنة 1220 هجرية الموافق 1805 ميلادية، كما تبرزه كتابة على لوحة رخامية بمدخل قاعة الصلاة للجامع. ويعتبر الشيخ إبراهيم الجلابي أحد سلاطين مملكة بني جلاب (سلالة بني مرين 36) التي استقرت بتقرت وامتدت لتشمل مناطق أولاد جلال شمالا (بسكرة) وشط الجريد (تونس) مرورا بوادي سوف (الوادي) شرقا وورقلة وأنقوسة ناحية الجنوب الغربي لما يقارب الأربعة قرون خلال الفترة الممتدة ما بين 1414 إلى 1854 حسب ما أكدته عدة دراسات تاريخية. ويروي شيوخ المنطقة أن الجامع العتيق لم يكن مسجدا لأداء الصلوات فحسب، بل كان مدرسة لتعليم القرآن الكريم وأصول الفقه، حيث شهد تعاقب كبار شيوخ المنطقة لاسيما الشيخ “محمد بن عبد الكريم، محمد بن إبراهيم الفاسي والشيخ الطاهر العبيدي والحاج عظامو”. وكان الجامع أيضا محط رحال الكثير من العلماء المعروفين كالعلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس بالإضافة إلى الشيخ الإبراهيمي والشيخ عبد الرحمن الجيلالي والشيخ أحمد حماني.
لمياء بن دعاس



