نتحدث اليوم بإذن الله، عن خلقٍ عظيمٍ من أخلاق الإسلام الراقية، عن صِفةٍ كريمةٍ من أجلِّ صفاتِ المؤمنين.. صفةٌ عزيزةٌ: لا يظفرُ بها إلا من قويَ إيمانهُ، وارتفعَ يقينهُ، وعلا توكلهُ، واشتدت بالله تعالى ثقتهُ.. صفةٌ رائعةٌ: تُعْطِي المُؤمِنَ قُوَّةً وعَزِيمَةً، وهمةً وطَاقَةً عَظِمَيةً، فيرى الحياة جميلة، ويرى البعيدَ قريباً، والصعبَ سهلاً، والمستحيلَ مُمكناً.. يكفي أنَّ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال عن هذا الخلق: “يُعجِبني”.. إنّهُ خُلق التفاؤلِ وحُسنِ الظنِّ بالله. ولا يخفى على متبصر، كم هي حاجةُ الناس اليوم إلى مَن يبثُّ في نفوسِهم الأمل، ويوقدُ في حياتهم روحَ التفاؤلِ، ويذكرهم بحُسن الظنِّ بالله تبارك وتعالى.. واليأسُ يا عباد الله مرضٌ فتاكٌ، إذا تمكن من قلبِ مُؤمنٍ أحرق مُهجَتهُ، وشتَّت أمرهُ، وحطَّم آمالهُ، وقتل عزيمتَهُ، وساقهُ إلى حَتفِه.. ففي مثل هذه الأوضاعِ تعظمُ الحاجةُ لاستحضار أسابِ الأمَلِ وصورِ التفاؤلِ، وحُسنِ الظنِّ بالله جلَّ وعلا.. وهذا هو منهجُ الأنبياءِ عليهم جميعاً أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليم، فإِبراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ دَفَعَهُ تَفَاؤلُهُ وحُسْنُ ظَنِّهِ بِربهِ أَنْ يتضرعَ ويَدْعُوَ خَالِقهُ جلَّ وعلا لِيَرزُقَهُ وَلَداً صالِحاً رغمَ تقدمهِ في العمر، وتجاوزه الثمانين، فَقَالَ: ” رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ” الصافات:100، فَاستَجابَ لَهُ رَبُّهُ ووَهَبَهُ إِسْماعِيلَ وإِسْحَاقَ.. وهَذا يَعقُوبُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُبتلى بفَقَدِ ولديه، فيأمر بقية أبنائه بقوله: ” يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ “. وهذا موسى عليه الصلاة والسلام يحاصرهُ فرعونُ وجنودهُ، حتى صاحَ به بنو إسرائيل ” إِنَّا لَمُدْرَكُونَ “، فقال الواثِقِ بِرَبِّهِ، والذِي لَمْ يَتَسرَّبِ اليَأسُ إِلَى قَلْبِهِ ” كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ” الشعراء:62. والمتأمِّلَ في سيرةِ المصطفى صلى الله عليه وسلم، يرى التفاؤلَ وحُسنَ الظنِّ بالله تعالى واضِحاً فيها كُلَّ الوضُوحِ، حتى ليكادُ أن يكونَ مَنهجاً ثابتاً لهُ عليه الصلاةُ والسلام، خُصوصاً حينَ تَشتدُّ المحنُ وتتفاقَمُ الشدَائِدُ.. فمع كلِّ خوفٍ وشِدةٍ نراهُ صلى الله عليه وسلم يبُثُ الأملَ ويرفعُ المعنويات، وكلَّما خيمَ اليأسُ والقُنوطُ على النفوس، ازدادَ عليه الصلاةُ والسلامُ استبشاراً وتفاؤلاً.. فحِينَ اشْتكَى بعضُ الصَحابةُ ما يَلقونَهُ من شِدّةً المشركِينَ أجَابهُم صلى الله عليه وسلم بقولِه: “والله ليُتمنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى يَسيرَ الراكِبُ من صَنعاءَ إلى حَضرمَوت ما يخافُ إلا اللهَ والذِئبَ على غَنمِه”…
موقع إسلام أون لاين