تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة

 تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة

جُبِلت هذه الدنيا على الكدر وعلى الشِدَّة والابتلاء؛ قال تعالى: ” لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ” البلد: 4، وقال تعالى: ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ” البقرة: 155، وفي حديثٍ صحيح: أشدُّ الناس بلاءً الأنبياءُ ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسبِ دِينِه، فأنبياءُ اللهِ ورسله هم الأشدُّ بلاءً، لكن لأنهم يعرفونَ الله في الرخاء، فإن اللهَ يعرفهم في الشدة.

فها هو نوحٌ عليه السلام يعاني تلك المعاناة الشديدة الطويلة مع الملأ الذين استكبروا من قومه، فلما غرقت الأرض كُلها بالطوفان حتى غطى رؤوس الجبال، كان نوحٌ عليه السلام والذين آمنوا معهُ في كنف الله ورحمته، وسفينتُهم: ” تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ” فلما انتهى الطوفان استوت بهم على الجودي بسلام، قال تعالى: ” فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ”  فـتعرَّفْ على اللهِ في الرخاءِ يعرفُك في الشدَّةِ.

وها هو خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، يتعرض للابتلاء الشديد فيلقى في النار المتأججة، ثم يُؤمرُ بذبح ابنه وقد جاءهُ على كِبر، فأي بلاء أشدُّ من هذا البلاء، لكن لأنه كان يعرفُ الله في الرخاء، فقد عرفه الله في الشدة، فقال الله للنار: كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، وفدى الابن بذبحٍ عظيم، فتعرَّفْ على اللهِ في الرخاءِ، يعرفُك في الشدَّةِ.

ها هو نبي الله يونسُ عليه السلام يتعرضُ للابتلاء الشديد، فيبتلعهُ الحوت، وتُحيطُ به ظُلماتٌ ثلاث، ظلمةُ الليل, وظلمةُ البحر, وظلمةُ جوف الحوت, ظلماتٌ بعضُها داخل بعض: ” فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ” الأنبياء: 87، ولأنه كان يعرفُ الله في الرخاء، فقد عرَفهُ اللهُ في الشدة؛ قال الله تعالى: ” فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون ” الصافات: 143، 144، فيأتيه الجوابُ الإلهي الكريم: ” فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ” الأنبياء: 88، فتعرَّفْ على اللهِ في الرخاءِ، يعرفُك في الشدَّةِ.

وهذا نبي الله أيوبَ عليه الصلاة والسلام، يُبتلي ابتلاءً شديدًا، فيطولُ به المرض سنين عددًا، ويُتركُ لوحدِه فلا أنيس ولا جليس، ويشتدُ فقرهُ حتى تضطرَّ زوجتهُ لبيع ضفائرها, ولأنه كان يعرفُ اللهَ في الرخاء، فقد عرفه اللهُ في الشدة، فما أن ” نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ” الأنبياء: 83, حتى جاءهُ الجواب سريعًا: ” فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ” الأنبياء: 84، فتعرَّفْ على اللهِ في الرخاءِ، يعرفُك في الشدَّةِ.

وهكذا بقيةُ أنبياء الله ورسله عليهم جميعًا صلوات الله وسلامه، كُلهم تعرضوا لأشدِّ أنواع الابتلاءات والكروب، وكان أشدَّهم بلاءً نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ولأنهم كانوا يعرفون الله في الرخاء، فقد عرفهم الله في الشدة، ففرَّج الله عنهم, ونجَّاهم وحفِظهم, ونصرهم على القوم الظالمين، فتعرَّفْ على اللهِ في الرخاءِ، يعرفْك في الشدَّةِ.