تعتمد على منهج الوسطية والاعتدال, “زوايا إقليم توات”.. منابر لنشر الدين الإسلامي وإشاعة قيم العيش المشترك والسلم الإجتماعي

elmaouid

ساهمت بشكل لافت في إرساء قيم قانون المصالحة الوطنية

يشتهر إقليم توات بولاية أدرار بانتشار الزوايا والمدارس القرآنية التي تعتمد على منهج الوسطية والإعتدال المستوحى من المرجعية الدينية الوطنية، ولا زالت تضطلع إلى غاية الآن بأداء رسالتها الدينية من بينها تلقين علوم القرآن الكريم و الشريعة الإسلامية، مما جعل منها منابر لنشر الدين الإسلامي وإشاعة قيم العيش المشترك والسلم الإجتماعي.

وقد كان لهذه الخصوصية التي تتميز بها تلك الزوايا أثرا كبيرا في إرساء منظومة اجتماعية متماسكة ومنسجمة، والتي بنيت أسسها على قيم السلف الصالح في التسامح والتآلف والإستقرار الإجتماعي والعيش المشترك، وذلك ما يتجلى في عديد المميزات الإجتماعية السائدة في المنطقة، كما أوضح في تصريح لـ “واج” عضو المجلس الإسلامي الأعلى، الشيخ عبد الكريم الدباغي.

وأكد الشيخ الدباغي أنه “لا يمكن بأي شكل من الأشكال إغفال الدور الكبير الذي أدته الزوايا المنتشرة بهذه المنطقة ومدارسها القرآنية في إرساء أسس العيش المنسجم في كنف السلم والإستقرار، مما جعل منطقة توات محل استقطاب لعديد الشعوب من مختلف الأمصار والأصقاع”.

وأبرز المتحدث في هذا الشأن دور بعض مشايخ وعلماء المنطقة، وفي مقدمتهم الشيخ العلامة الراحل سيدي محمد بلكبير الذي تتلمذ على يده والذين ساهموا بشكل كبير في تكريس النهج الوسطي المعتدل في ظل الهدي القرآني والنبوي وتلقين معانيه

ومفاهيمه الصحيحة التي تنظم حياة الفرد و المجتمع وفق نظام متناسق بعيدا عن التطرف والغلو والعنف.

ويكفل هذا النظام الإجتماعي الذي يستمد بنيانه من الدين الحنيف والعرف، العيش لكل فرد دون إقصاء رغم عوامل الإختلاف.

وتمكنت منطقة توات وبفضل هذه الخصائص الدينية و المؤسسات الإجتماعية و الروحية من النأي بمجتمعها عن كل أشكال العنف و الإختلافات التي كانت قد سادت بعض المناطق الأخرى من الوطن في بعض الحقب التاريخية المظلمة، يضيف نفس المتحدث الذي دعا في الوقت ذاته إلى استخلاص العبر من هذه الخصوصية، مبرزا أهمية إعادة بعث دور الزوايا للقيام بمهامها الإجتماعية كمراكز روحية محورية في المجتمع.

وأشار الشيخ الدباغي وهو أيضا إمام مسجد علي بن أبي طالب برقان بجنوب أدرار، أن الزوايا بمنطقة توات لا تعد استثناء بين نسيج الزوايا و المدارس القرآنية عبر ربوع الجزائر والتي كان لها دورا جبارا في الحفاظ على الوطن ومرجعيته الروحية أمام أعتى قوة استعمارية جثمت على ترابه لفترة تجاوزت قرنا من الزمن.

وأشاد بالمناسبة بمبادرة رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، المتمثلة في قانون السلم المدني والمصالحة الوطنية التي تعتمد على قيم العيش المشترك بسلام، وتعد، كما أضاف، تثمينا لدور الجزائر و رموزها و رسالتها المشرفة إلى العالم أجمع في تحقيق السلام ورفض كل أشكال العنف و التطرف وإقصاء الآخر.

 

بصمات “لامعة” لزاوية الشيخ الراحل مولاي التهامي غيتاوي

وبدورها سجلت زاوية الشيخ الراحل مولاي التهامي غيتاوي بأدرار بصمات “لامعة” من خلال جهودها الدؤوبة في تكريس قيم العيش في سلام بين أفراد المجتمع محليا و وطنيا و حتى إقليميا، حسب ما أوضح القائمون على شؤون هذه الزاوية العامرة.

ودأبت المدرسة القرآنية التابعة للزاوية على استقبال صغار طلبة العلم من المنطقة و من بلدان الساحل الإفريقي لتلقينهم مبادئ الدين الإسلامي الحنيف المبني على نهج الوسطية و الإعتدال وتنشئتهم على نبذ التطرف و الغلو و العنف، إلى جانب التأسيس لملتقى وطني سنوي حول السيرة النبوية تزامنا مع الإحتفالات السنوية بالمولد النبوي الشريف والذي كانت قد خصصت طبعته الأولى لموضوع “ثقافة التسامح في الإسلام”.

 

جهود إصلاحية داعمة لمشروع الرئيس

أما فيما يتعلق بالجهود الإصلاحية لهذه الزاوية، فقد ترأس الشيخ الراحل مولاي التهامي غيتاوي حملة الإستفتاء الذي كان قد أطلقه الرئيس بوتفليقة لإحلال المصالحة الوطنية و الوئام المدني، حيث تم تكليفه بجهة الجنوب الغربي للوطن.

كما أشرف أيضا مطلع 2013 على لقاء تشاور و حوار بين الفرقاء في شمال مالي، بحضور أعيان و ممثلي مختلف أطراف النزاع الذين وفدوا إلى الزاوية من ولايات الجنوب الجزائري إلى جانب ممثلي و أعيان القبائل الأزوادية، حيث شكل اللقاء نقلة نوعية في أسلوب الحوار و تقريب وجهات النظر بين الفرقاء من أجل إحلال الأمن و الإستقرار في شمال مالي، مثلما أوضح المكلف بالأرشيف و التوثيق بالزاوية بن الطيب تهامي.

وكانت للشيخ الراحل كذلك وقفة بارزة في جهود إرساء الصلح بين المالكية و الإباضية بولاية غرداية انطلاقا من المكانة التي تتميز بها زاويته كمؤسسة اجتماعية روحية تساهم في إصلاح ذات البين، كما هو معهود في الثقافة و الأعراف داخل المجتمع المحلي، حيث كان أيضا يخصص كثيرا من وقته لعقد جلسات مسائية بمقر زاويته لفض العديد من الخلافات و النزاعات بين السكان بولاية أدرار و ما جاورها، حسب نفس المتحدث.

 

الزاوية البكرية بتمنطيط ساهمت تاريخيا في تعزيز أواصر الأخوة وقيم التعايش بين الثقافات

ولم تشكل الزاوية البكرية بتمنطيط والتي تعد واحدة من أقدم زاويا إقليم توات لمؤسسها الشيخ سيدي أحمد ديدي، استثناء عن النهج الذي سلكته مختلف الزوايا بالمنطقة مما جعلها تحظى بمكانة روحية و قدسية في أوساط المجتمع المحلي بل وحتى في أوساط القبائل والقوافل التي كانت تعبر إلى الصحراء الإفريقية.

وذاع صيت الزاوية في أصقاع الساحل الإفريقي و بلدان المغرب العربي منذ تأسيسها في القرن الخامس عشر ميلادي و كانت منبعا لنشر قيم التعايش بين مختلف الثقافات، وأيضا مقصدا في التقاضي لحل النزاعات و معرفة أحكام الشريعة الإسلامية في مختلف المعاملات مما ساهم في تعزيز الاستقرار بالمنطقة و تكريس التعايش بين أفراد المجتمع.

وما تزال الزاوية البكرية تواصل جهودها الإصلاحية بالمنطقة من خلال تعليم مبادئ الدين الإسلامي السمح، وترسيخ نهج الوسطية والاعتدال و تكريس ثقافة المحبة والتآخي وحب الوطن و تثمين الأمن الذي تنعم به البلد، كما أشار إليه أحد أبناء الزاوية البكرية الأستاذ البكري بكري.

ومن بين السمات المشتركة لزوايا توات أيضا استقطابها لعموم الطلبة بمدارسها القرآنية بل وحتى عابري السبيل دون تمييز عرقي أو طائفي أو ديني، إلى جانب اعتمادها منهج الوسطية في البرامج التعليمية، والذي جعل المتخرجين منها من أوائل الداعين للسلم والسلام ومحاربة كافة أشكال التطرف، مثلما ذكر من جهته رئيس مخبر المخطوطات الجزائرية بإفريقيا بجامعة أدرار، أحمد جعفري.

ق.م