الجميع في الجزائر يعرفون أو على الأقل يسمعون عن مدينة ”سور الغزلان” الواقعة في ولاية البويرة جنوب غرب الجزائر العاصمة… لكن الأكيد أن القلة فقط من الجزائريين من تعرف أن هذه المدينة -سور الغزلان- مدينة أثرية وتحتضن الكثير من الأماكن الأثرية الظاهرة للعيان.. ليس هذا فقط، بل تحتوي هذه المدينة وتحتضن بين جنباتها مدنا رومانية مغمورة بكاملها تحت الأرض، وتنتظر أن تخرج إلى النور وتظهر كمعلم تاريخي خالد يصرخ في صوت مدوي معلنا أزليته وحقه في مكان كان مقر حضارته ومركز أباطرته، فالحقيقة التي يجهلها الكثير من الناس هي أن مدينة سور الغزلان مدينة عريقة، أسست بحسب المؤرخ الروماني ”تاست” من طرف الفينيقيين في القرن الـ16 قبل الميلاد.. كانت تلقب قديما بـ ”أوزيا”…
“سور الغزلان “… التسمية الحقيقية
اسم مدينة سور الغزلان مشهور جدا، ولكن الكثيرين يجهلون اسمها الحقيقي، فاسم مدينة سور الغزلان يكون بكسر “الغين”، رغم أن الشائع بين غيـر سكان المدينة نطقها بفتح الغين أو رفعها، وهذا خطأ مشهور اعتقده الناس وسار بينهم، لاعتقادهم أن “الغزلان ” يقصدون بها جمع “غزال” رغم أن الحقيقة غير ذلك، وتنسب تسمية المدينة إلى السور الكبير الذي يحيط بها، أما الغزلان فهي كناية عن النوافذ الموجودة بأعلى السور، وهي فتحات تظهر بحجم كبير من الخارج وصغير ضيق من الداخل، ويبلغ طول السور 3 كلم وسمكه 70 سم ارتفاعه يتراوح ما بين 5 إلى 10 أمتار، ويشكل السور مستطيلاً مزوداً بأربع أبواب في وسط كل جهة محصن بأنصاف أبراج، هو معلم من الحقبة الاستعمارية بني ما بين 1846 م-1862م.
للصين السور العظيم وللجزائر سور الغزلان
“سور الغزلان “من أهم معالم المدينة، خاصة بعدما علمنا أن تسميتها تعود له، وعكس ما يعتقده جل الناس فإن الأصل في تسمية هذه المدينة بسور الغزلان ليس له علاقة بحيوان الغزال، إنما يعود للسور العظيم الذي شيد في المدينة، أما الغزلان فهي النوافذ الموجودة فيه، يبلغ طول السور 3 كلم وسمكه 70 سم، ويتراوح ارتفاعه ما بين 5 إلى 10 أمتار، ويشكل السور مستطيلا مزودا بأربع أبواب محصنة بأنصاف أبراج. هو معلم من الحقبة الاستعمارية بني ما بين 1846 م-1862م، لكنه للأسف يتعرض اليوم إلى التلف والزوال جزئيا بسبب عدم الاهتمام به، رغم أنه بإمكانه أن يتحول إلى معلم سياحي خلاب ويجذب آلاف السواح في حال ترميمه وحمايته من الاندثار.
مداخل المدينة.. أو أبوابها الأربعة
من هنا جاهد الأمير وحاربت “لالة فاطمة”
لمدينة سور الغزلان أربع أبواب، كان يدخل عبرها الزوار، هي باب الجزائر في الشمال، بني سنة 855 م، يليه باب بوسعادة في الجنوب بني عام 1856 م، ثم باب سطيف في الشرق، بني سنة 1857 م، وباب مدية الذي بني سنة 1856 م، وهي شبيهة بأبواب القصور التاريخية والصروح الرومانية، وتتموقع هذه الأبواب في الجهات الأربعة للمدينة وكأنها تحرسها وتحميها ولا تسمح بأن تُدخل المدينة سرا.. وما أصعب ألا يكون للمدينة حارس… حجارتها البنية الملساء المتراصة والمصطفة بشكل متساو ودقيق جعلتها بوابات لأزمنة مختلفة صمدت رغم كل العواصف التي عصفت بها، فعندما تطأ عتبة كل باب تعود إلى التاريخ ليذكرك بأن أمير الجزائر عبد القادر قد مر من هذا الدرب، والمحاربة الباسلة لالا فاطمة نسومر مرت من هنا أيضا… وبحسب الكاتب والمؤرخ عمر بوجردة صاحب كتاب ”سور الغزلان تاريخ وحضارة” فإن المنطقة شهدت عدة معارك طاحنة بين المستعمر الفرنسي وجل قادة الثورات الجزائرية الذين ساهموا في صنع تاريخ المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن الأبواب الأربعة صارت ثلاثة بعد أن هدم الباب الرابع وهو ”باب مدية”، كما أن الأبواب الأخرى مهددة بالانهيار لأسباب متعلقة إما بالتأثيرات المناخية أو لعوامل أخرى تشوهها، كالطلاء الذي يعبر عن عقلية جزائرية في تجميل العيوب. والأكيد أن سقوط باب من أبواب المدينة يمثل سقوط معلم ذي بعد حضاري وتاريخي مهم للجزائر ككل… وهو ما يدعو إلى التساؤل عن سبب إهمال هذه المعالم التاريخية الهامة.
الحنية المائية.. فخر المدينة
ممر العشاق الذين لا ينفك وصال الحب بينهم
معلم آخر… الحنية المائية ساحرة وفاتنة.. لا يمكن أن تراها وتذهب دون أن تترك فيك أثرا عميقا بل وتجعل في داخلك حنينا للعودة والجلوس هناك تستذكر كل مكنونات نفسك وتستحضرها في لحظات لا تتكرر إلا عندها…
وحسب السيد بوزيد نائب رئيس بلدية سور الغزلان، فإن الحنية تعتبر مدعاة فخر لمدينة سور الغزلان، وأقل ما يقال عنها إنها تحفة رائعة الجمال وفاتنة، تبعد عن مركز المدينة بحوالي 2 كلم، تتواجد في المكان المسمى الأقواس وتعود إلى العهد الروماني، كانت تستعمل لتمرير الماء إلى السكان بالمدينة القديمة. وكان عددها 8 لم يبق منها سوى واحدة… وقام المستعمر الفرنسي بهدم الكثير منها ونهبها وسرقتها من أجل استخدام حجارتها في بناء بيوت للجنرالات والمستوطنين وذلك لسماكة حجارتها. يجري من تحتها ماء الوادي وتحفها الأزهار الوردية والعشب الأخضر بشكل يشبه مداخل جنات بابل المعلقة… ويقال إن العشاق إن مروا من تحتها فإن وصال الحب والعشق بينهم لن يفك إلى الأبد…
ضريح تاكفاريناس… حارس القبور وحامي الموتى
اختلفت الروايات وبقي المعلم راسخا متحديا للزمن
نحو منطقة الحاكمية التي تبعد عن سور الغزلان بـ11 كلم جنوبا، وبين صمت الجبال بالضبط في منطقة الديرة، حيث توجد مقبرة للشهداء الأبرار… هناك رأينا صرحا من الحجارة البنية الملساء مستطيلة الشكل، وهو عبارة عن معلم بطابقين أرضي وعلوي يقع على مستوى مرتفع نسبيا يجعله يطل على جبال القبائل الكبرى وبعض سهوب المنطقة الصحراوية.
الملفت في هذه التحفة المعمارية أنها ما زالت في حالة جيدة على الرغم من قدمها، حيث يرجع تاريخ تشييدها حسب المؤرخ ”بيربروجر” إلى عام 439 م. ويقال إن هذا الصرح شيد للقائد ”تاكفاريناس” الذي خاض عدة معارك وانقلابات ضد الرومان، لكن المنطق يستبعد أن يشيد الجيش الروماني صرحا لمتمرد عليه، لذلك فالفرضية الثانية والتي تعتبر الصرح مركز حراسة هي الأقرب للتصديق، كون المكان استراتيجيا جدا ويسمح بمسح المنطقة كليا، وتوجد على بعض الحجارة نقوش ورسومات وحروف رومانية لازالت واضحة هذا ما سمح بالقيام ببعض الدراسات الفنية والمعمارية من أجل تصنيف الضريح الذي يعتبر من أروع المخلفات الرومانية بالمدينة.
الثكنة الاستعمارية وأصوات المعذبين
مساجين وأصوات مرعبة في الليل
شيدت الثكنة العسكرية لمدينة سور الغزلان في الحقبة الاستعمارية عام 1850م وتقع هذه الثكنة وسط المدينة، وتتربع على مساحة أربعة هكتارات، والأصل أنه كانت هناك منشأتان عسكريتان فرنسيتان إحداهما دمرت عن آخرها بسبب حريق كبير شب فيها، وبحسب رواية سكان المدينة التي تقترب إلى الأسطورة فإن أفعى شيطانية ضخمة ومرعبة ظهرت في إحداهما ولم تكن من طريقة لقتلها سوى حرق المنشأة العسكرية بأكملها… وهكذا لم تبق سوى ثكنة واحدة تحتوي على 16 زنزانة متساوية القياس، وتحوي ممرات سرية وأنفاقا يقال إنها تصدر أصواتا لمجاهدين جزائريين كان يتم تعذيبهم هناك من طرف أفراد الجيش الفرنسي.
وحسب السيد بوزيد نائب رئيس بلدية سور الغزلان، فإن الثكنة شيدت على أنقاض المدينة الرومانية القديمة، وهناك بالتالي حاجة إلى عملية تنقيب من أجل الكشف عن آثار المدينة ”أوزيا” وتصنيفها ضمن المعالم الأثرية التي تفتخر بها مدينة سور الغزلان، كما أن أعمال الحفر والعمران في المدينة كثيرا ما تكشف عن منحوتات وأحجار رومانية رائعة الشكل تحمل زخارف ونقوشا فنية تعود إلى الرومان، وتقوم البلدية بالاحتفاظ بها لوقت عرضها في متحف خاص ولعل أكثر رواية شيقة تم تداولها في هذا الإطار حسب السيد بوزيد تلك التي تعود إلى سنة 1970 حيث تم العثور على جرتين مملوءتين بالذهب أثناء تعبيد طريق بالمدينة.
مدينة.. اشتهرت بأعلامها
اشتهرت مدينة سور الغزلان بمدرسة “كرابي” من العهد الفرنسي، أما ثانوية الغزالي فيعود تاريخ تأسيسها لسنة 1968 والتي أعدت إطارات في الدولة، كما تعتبر المدينة أمّا لعمالقة الشعراء في الجزائر أمثال الشاعر مصطفى الغماري، حمري البحري والشاعر جمال عمراني والشاعر رابح بلطرش، كما تحتضن المدينة مستشفى ومدرسة التكوين الشبه طبي لعموري، من جهة أخرى هناك المرأة النبيلة والصالحة الحاجة العالية حمزة التي سميت مقبرة العالية باسمها.
سور الغزلان .. متى يتم نفض الغبار؟
لمدينة سور الغزلان معالم أخرى وأماكن تؤهلها لأن تكون وجهة للسواح الجزائريين الذين يحتاجون فعلا إلى معرفة بلدهم أكثر… ونتساءل لماذا لا تتكاتف جهود الجهات المعنية من أجل النهوض بقطاع السياحة في المنطقة ونفض الغبار عن الإرث الحضاري للجزائر ومعالمه الجميلة التي تقترن بطبيعة خلابة؟
