تزخر ولاية أم البواقي بعدة ثروات طبيعية متنوعة، منها الغابات، النباتات، الحيوانات المحمية، المناطق الرطبة أو المسطحات المائية سواء كانت طبيعية أو اصطناعية، راكدة أو جارية، دائمة أو مؤقتة، مالحة أو عذبة وتشمل البحار التي لا يتعدى عمقها 06 أمتار ولها أنماط مختلفة منها مناطق رطبة طبيعية السبخة، الشط، البرك، البحيرات، المستنقعات، الأنهار، وتستقبل هذه المناطق الرطبة سنويا أسرابا هائلة من الطيور المهاجرة في فصل الشتاء والقادمة من أوروبا حوالي 5000 طائر تشمل 20 نوعا من الطيور المهاجرة المحمية، ويتم تصنيف المناطق الرطبة على حسب الأهمية الإيكولوجية للمنطقة، الموقع والتنوع البيولوجي، بالإضافة إلى أهميتها البيئية والاقتصادية والاجتماعية والأخطار التي تواجه هذه المناطق والحلول اللازمة للحفاظ على هذه الثروة الطبيعية.
5 مناطق مصنّفة ضمن قائمة “رامسار”

تتوفر ولاية أم البواقي على 11 منطقة رطبة صنّفت منها 5 سنة 2004 ضمن قائمة “رامسار” كمناطق محمية منها قرعة قليف والتي تقع على بعد 12 كلم من مدينة أم البواقي وتقدر مساحتها بـ 24.000 هكتار توجد بها زراعات كثيفة للحبوب، إضافة إلى أنواع نباتية كثيرة منها اتربلاكس اميلوس، ساليكورنيا، فروكتوكوزا، مايثولا، كما تتوفر على ثروة حيوانية تتنوع بين الزواحف، الثدييات والحشرات والطيور منها الحمام الوردي، الكركي ابو الساق الأبيض، البلشلون الأرجواني، الهدهد، شهرمان، قرعة الطارف، تتواجد هذه المنطقة على بعد 14 كلم من أم البواقي ببلدية عين الزيتون وتتربع على مساحة 33.460 هكتارا بها أنواع نباتية منها الشيح، ارتيمسيا، أما الحيوانات فتتمثل في طيور النحام الوردي، حلزونات، قرعة المغسل، تتواجد ببلدية بوغرارة السعودي على بعد 6 كلم من مقر الولاية تتربع على مساحة 1000 هكتار، تستعمل هذه البحيرة من أجل استخراج ملح المائدة نظرا لجفافها من المياه وصعود الأملاح إلى السطح.
أما قرعة عنق الجمل فتقع على بعد 5 كلم من بلدية بوغرارة السعدي تتربع على مساحة 18.140 هكتارا، وهي تأوي أنواعا مختلفة من الطيور منها النحام الوردي، الذي يتميز بالسيقان الرفيعة والطويلة وباللون الوردي والأحمر الفاقع وعلى أطراف جناحيه يوجد ريش أسود، ويعيش بالمعدل حوالي ما بين 35 الى 50 سنة (من أطول متوسطات العمر بين الطيور)، وهو من الطيور المهاجرة طوله ما بين 1.20م 140م الوزن ما بين 3.5 كلغ و 25 كلغ السرعة 60 كلم في الساعة يتغذى على القشريات الارتيمياء التي تكسبه اللون الوردي والأحمر.
ويتواجد شط تنسلت على بعد 05 كلم من بلدية سوق نعمان يتربع على مساحة 2154 هكتارا، تعيش في محيطه العديد من النباتات، وبه العديد من الطيور المهاجرة.
قرعة قليف تقع على بعد 12 كلم من مدينة أم البواقي وتقدر مساحتها بـ 24.000 هكتار بها نباتات كثيفة وملجأ للعديد من الطيور المهاجرة، وهي توفر إطارا سياحيا متميزا بحيث تحفها الغابات، كما تستقبل أسرابا هائلة من الطيور المهاجرة مثل النحام الوردي، الكركي أبو الساق الأبيض، البلشلوش الأرجواني، الهدهد، شهرمان.. إلخ، وتشكّل هذه الطيور لوحة فنية مبهرة بألوانها وأحجامها المتفاوتة إلاّ أنّها تتناسق.
نموذج المناطق الرطبة وموطن للطيور النـادرة

تسببت موجة الجفاف التي ضربت البلد، في تقليص مساحات المناطق الرطبة وهجرة طيور نادرة بعيدا عن هذه المحميات، التي باتت عرضة كذلك للصيد الجائر وكل مظاهر التعدي على الطبيعة، غير أنها في المقابل ما تزال قبلة للباحثين سواء من الطلبة الجامعيين أو الأكاديميين على حد سواء.
تقع أغلب المناطق الرطبة بأم البواقي في الجهة الجنوبية للولاية وتتوزع على 4 بلديات، ومن بينها قرعة الطارف بـ334 هكتارا وقرعة قليف الكبيرة وتيمرقانين النادرة التي تتوفر على مياه ليست مالحة بمساحة 8300 هكتار في عين الزيتون، وكذا عنق الجمل ببوغرارة السعودي بمساحة 1840 هكتارا وشط الملاح تنسيلت بسوق نعمان بمساحة 2154 هكتارا وكذا قرعة المغسل بعين فكرون بمساحة 1000 هكتار وسبخة الزمول بأولاد زواي بمساحة 4400 هكتار.
ويقول مدير البيئة بأم البواقي بأن المناطق الرطبة تعاني في الوقت الحالي من آثار الجفاف، وهو الذي تسبب في تقلص مساحتها الإجمالية، والتي بدأت في العودة مؤخرا على إثر التساقطات المطرية الأخيرة، واعتبر المتحدث بأن أم البواقي هي الولاية الثانية في الجزائر بعد الطارف من حيث عدد المناطق الرطبة، وبخصوص عدد الطيور المهاجرة التي تقصد هذه المناطق، فأشار المتحدث إلى أنه وحتى شهر سبتمبر من السنة المنقضية تم إحصاء توافد نحو 5 آلاف طائر على هذه المناطق، غير أن تعداد أسراب الطيور المهاجرة، توحي بأن عددها في تقلص من سنة لأخرى، وأرجع السبب لكمية التساقطات التي تؤثر على وجود أو ندرة الماء والغذاء.
وأشار إلى أن مصالحه استفادت من عملية ممركزة، تخص تهيئة منطقة تيمرقانين، أين تمت المصادقة على المرحلة الرابعة من العملية في انتظار الأخيرة، والتي تتضمن دراسة تصنيف المنطقة وتهيئتها مما يضمن الحفاظ عليها ويمنح مخطط استغلالها، ويشرف على الدراسة مكتب دراسة مختص عُين من طرف الوزارة، أين يعكف على التصنيف الإيكولوجي للمنطقة، وتحديد حيزها الجغرافي، ووضع اقتراحات لتموينها بالماء مع تحديد نوعية الاستثمار الذي يصلح فيها، وتعتبر الدراسة من ضمن 10 عمليات مماثلة انطلقت عبر الوطن أين استفادت أم البواقي من واحدة منها.
التغيرات المناخية تغيب طائر النحام الوردي

تسببت التغيرات المناخية الحاصلة عبر العالم في الإخلال بميزان عيش عديد الكائنات الحية وأثرت سلبيا على تنوع الكائنات الحية من الجانب البيولوجي على غرار الحيوانات والطيور وما تعلق بطرق تكاثرها وهجرتها وحتى تحصيلها لغذائها.
فطائر النحام الوردي النادر الذي تعد المناطق الرطبة كالبحيرات والمستنقعات مثلا بيئة مناسبة ومثالية لعيشه وتكاثره ظل خلال السنوات الأخيرة في رحلة بحث شاقة عن المناطق الرطبة التي جفت أغلبها وتناقصت كميات المياه بها بفعل عامل نقص تساقط المطر.
وقال المدير المحلي للبيئة بشأن ميزة ولاية أم البواقي من جانبها الطبيعي ومؤهلاتها من حيث توفرها على مساحة هامة من المناطق الرطبة التي تستقطب سنويا آلاف الطيور المهاجرة على غرار طائر البط ذو اللون الرخامي والواق العظيم واللقلق الأبيض، بالإضافة إلى الطائر المتميز برقصته المعروفة باسم “رقصة الزفاف” وهو طائر النحام الوردي والذي يختار بولاية أم البواقي شط “تنسيلت” الذي يتربع على 2154 هكتارا و سبخة “الزمول” على مساحة 7 آلاف هكتار ومناطق أخرى للإقامة بها طيلة فصل الشتاء ليهاجر بعدها نحو أوروبا بقية المواسم.
وتبيض طيور النحام الوردي بهذه المناطق الرطبة التي تستقطب أعدادا هائلة منها وتمضي بها أشهرا عدة بداية من فصل الشتاء من كل سنة لتهاجر بعدها نحو الشمال و تحديدا إلى القارة الأوروبية لتعود مرة أخرى إلى ولاية أم البواقي.
إلا أن التغيرات المناخية التي أثرت على تساقط الأمطار وتغير درجات الحرارة الفصلية وغيرها من العوامل أدت إلى هجرة طائر النحام الوردي من ولاية أم البواقي التي أنقص الجفاف من حجم مياه مناطقها الرطبة، الأمر الذي أدى، وفقا للسيد قليل، إلى تناقص أعداده بشكل كبير خاصة خلال الموسم الحالي والموسمين الفائتين، علما أن هذا الطائر يحتاج إلى وسط طبيعي يتميز بوفرة المياه والرطوبة حتى يتمكن من التكاثر و الغذاء.
المناطق الرطبة بأم البواقي بيئة مثلى لطائر النحام الوردي

يهاجر طائر النحام الوردي إلى المناطق الرطبة لولاية أم البواقي لما لها من خاصية ومميزات بيئية تتأقلم وطبيعة عيش هذا النوع من الطيور، وفقا لما أفاد به من جهته لـ “وأج” الباحث بقسم علوم الطبيعة والحياة بجامعة العربي بن مهيدي بأم البواقي، عبد الله ولجاوي، صاحب رسالة دكتوراه بعنوان “المشاركة في دراسة بيئة طائر النحام الوردي في المناطق الرطبة بالسهول العالية بشرق الجزائر” التي تعرّض فيها بشكل عام إلى طبيعة هذا الطائر وخصائصه.
وأكد ذات الباحث في حديثه عن طائر النحام الوردي أن أعداده خلال السنوات الثلاث الأخيرة قد تناقصت بالمناطق الرطبة لولاية أم البواقي بسبب عامل جفاف البحيرات والشطوط والمستنقعات وفقا للملاحظات والنتائج العلمية التي خرج بها هذا الجامعي رفقة طلبة قسم البيولوجيا الذين يجرون بحوثا ودراسات حول هذه المناطق والكائنات التي تعيش بها بحكم ما في هذه البيئة من خصائص بيولوجية ملائمة خاصة بالنسبة للطيور المهاجرة.
واستطرد هذا المختص في وصف البيئة التي يستطيع طائر النحام الوردي العيش فيها و التي تتوفر عليها المناطق الرطبة لولاية أم البواقي على غرار أنها مناطق رطبة مالحة تنمو فيها العوالق الحيوانية المائية والقشريات وكذلك شساعة مساحة هذه المناطق، بالإضافة إلى كونها مناطق رطبة غير عميقة وأعطى مثالا بمنطقة “تيمرقانين” بالجهة الجنوبية للولاية، مؤكدا أن كل هذه المميزات تعتبر بيئة محببة لطائر النحام الوردي و التي يضاف إليها -كما قال- أنها هادئة وبعيدة عن المناطق الآهلة بالسكان، وهو دافع آخر -كما قال- لهجرة هذا الطائر إليها.
المناطق الرطبة مؤهلة لأن تكون أماكن جذب سياحي بامتياز

من جانب آخر، يستلزم النهوض بالسياحة في أي مكان توفر فيه مجموعة من المعطيات والمؤهلات خاصة منها الطبيعية التي تستهوي الأفراد، وهو الحال بالنسبة لولاية أم البواقي التي تتوفر على هذه الثروة الهامة من المناطق الرطبة ومن هذا المنظور تتطلع السلطات المحلية إلى الرقي بالاستثمار السياحي من خلال دعم كل أنواع الاستثمار في هذا المجال عبر تشجيع المستثمرين، كما أدلى به محافظ الغابات بذات الولاية رغيوة عثمان، الذي أبان بدوره رغبة محافظة الغابات بالتنسيق مع مديرية السياحة والصناعة التقليدية وغيرها من الأطراف الفاعلة في النهوض بقطاع السياحة وذلك بتشجيع من يريدون الاستثمار في هذا النشاط.
تراجع كارثي للمياه العذبة في الكرة الأرضية

حذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة، من التناقص الخطير للمياه العذبة الجوفية، والذي بلغ 70 في المائة منذ عام 1900.
وأكد تقرير الأمم المتحدة للبيئة، على أن السنوات الـ 40 الأخيرة، شهدت انخفاضاً حاداً في كميات المياه العذبة الجوفية، وفي أعداد الحيوانات والنباتات التي تعيش في محيطها بنسبة بلغت 81 في المئة، أي أكثر من ضعف معدل انقراض الأنواع البحرية والبرية الأخرى.
وأشار معدو هذا التقرير إلى أن الانخفاض الحاد في مصادر المياه العذبة يؤدي إلى تدهور البيئة المحيطة بشكل يهدد حياة الغطاء النباتي والحيواني لمناطق واسعة من الكرة الأرضية.
وتعد هذه المسطحات المائية العذبة كالأنهار والبحيرات والمستنقعات، مصدراً أساسياً لصحة واستمرار الإنسان، فهي مصدر مياه الشرب لكل الكائنات الحية التي تعيش في محيطها.
يُذكر أن مستوى مياه بحيرة بايكال الروسية التي تعتبر المخزن الرئيسي للمياه العذبة على الأرض، بدأ بالانخفاض بشكل متسارع بـ 6 سنتيمتر وبلغ الحد الحرج دون المستوى الطبيعي في شهر جانفي المنصرم.
ق.م
