تدويل القضية الفلسطينية

  تدويل القضية الفلسطينية

الجانب السياسي لا ينبغي أنْ يُستهان به؛ فإنه وإن كان لا يرفع الأزمة كلية، فسوف يساهم في تخفيفها على الأقل، ما روعي فيه روح العزة والكرامة، أما مفاوضات الشروط المسبقة من العدو، وحوارات الخضوع والاستسلام، فلن تزيد فلسطين إلا وهنًا، ولن تزيد الصهاينة إلا قوة، فإن هؤلاء اشتهروا عند العام والخاص برميهم من خلال المؤتمرات والمفاوضات المنعقدة معهم إلى تلميع صورتهم، وربحهم الوقت، ووضع أصحاب الحق في صورة الإرهابيين الذين لا يبتغون سلمًا ولا سلامًا. وإن أنظمتنا الإسلامية والعربية لتزخرُ برجال ذوي حنكة في السياسة، وقدم راسخة فيها، يستطيعون أداء الدور المنشود رفقةَ رجال فلسطين وغزة، إذا ما وُضعت الثقة فيهم، وشُدَّ على عضدهم مِن طرف الجميع. ولعل أول قرار ينبغي اتخاذه مِن طرف بعض الأنظمة طرد السفراء الإسرائيليين مِن بلدانهم، فإنه أمر إذا لم تُملِه فنون السياسة، فإن مبادئ الأخلاق تُحَتمه.

ولنا في تاريخ الجزائر المجاهدة عِبرة؛ فإنه في الوقت الذي كانت المعارك الحامية تُدار على أعالي الجبال مِن طرف رجالات المقاومة والثورة الجزائرية، كان الوفد السياسي يؤدي دورًا في تدويل القضية الجزائرية، وعقد المفاوضات مع المستعمر الفرنسي، دون خضوع، أو استسلام، أو مناقضة للجناح العسكري لجبهة التحرير الوطني؛ مما بشَّر وأثمر بعد ذلك بإشراق شمس الاستقلال على الجزائر، صحيح أن المعطيات والوقائع تختلف اليوم، لكن حركة التاريخ بين جولاتِها شبهٌ كبير. لقد أدركنا جميعًا أن القضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وأن أحداث غزة ليست مشكلة حكومة حماس وحدها، بل إن القضية قضية كل مَن شهد لله بالوحدانية، ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ولن يقر لأمة الإسلام قرارٌ، وإن الله سائلنا، وسائلٌ أصحابَ القرار عن كل دم فلسطيني أهدر بغير حق، وعن كل دمعة ذُرفت تحت الظلام، وعن كل صرخة شُقَّ بها الفضاء، وإنْ عهد صلاح الدين قد ولَّى، ولكن الأمة التي أنجبت أمثال صلاح، ما زالت حيَّة، فإن التاريخ لا يُقدر بزمن، والزمن في رحمه مفاجآت، ولسوف يكون ختامُها نورًا ونصرًا وعزَّة للمسلمين، ونار وخيبة وذِلة لليهود المعتدين.