تداخل القطاعات المكلفة بحمايتها عقّد من مهمة ترميمها, ”القصبة”.. قلب العاصمة الذي لا ينبض

تداخل القطاعات المكلفة بحمايتها عقّد من مهمة ترميمها, ”القصبة”.. قلب العاصمة الذي لا ينبض

– أزيد من 500 بناية تحكي الماضي آيلة للسقوط

تئن قصبة الجزائر حاليا تحت وقع كثير من المشاكل التي فاقت الخطوط الحمراء، بحكم تهديدها بضياع تراث إنساني يحكي تاريخا عريقا للجزائر ويسلط الضوء على حقبة مهمة من هذا التاريخ سيما منه ما تعلق بالفترة الاستعمارية، بحيث كانت دويراتها التي شيدت في الوقت العثماني بمثابة قواعد خلفية لمن فجّر الثورة، كما أنها حافظت اجتماعيا على الترابط المجتمعي ورسخت نظاما جديدا وقتها يقوم على التآخي وحسن الجوار رغم مظاهر التحضر التي ميزت السكان وقتها، ولكنها لم تؤثر على الطابع المحافظ لها، ورغم إجماع الكثيرين على الأهمية القصوى لهذا الإرث إلا أن تقاذف المسؤوليات بين القطاعات المختلفة أساء إلى مساعي ترميمها وعطل من مبادرات المجتمع المدني الذي حاول بحملاته التحسيسية إعادة النبض لهذا المعلم المهم، ليبقى قلب العاصمة يترقب من ينعشه ويعيد إليه الحياه من جديد .

 

قرابة 2000 عائلة تعيش رعب تهاوي سكناتها بالقصبة

يتخوف سكان حي القصبة من الكابوس الذي ما يفتأ يراودهم بين الفينة والأخرى، ممثلا في الموت ردما تحت الأنقاض بفعل تكرار سيناريوهات الانهيارات وتهاوي أجزاء من مساكنهم المهترئة ودون حتى وجود أمطار أو رياح، وهذا بفعل الزمن الذي تعاقب عليها وما شهدته طوال عقود من الزمن من زلازل وأشغال الحفر، ضف إليها مشاكل أخرى حالت دون تمكن المتضررين من ممارسة حياتهم في ظروف طبيعية، وقد امتد بهم في أكثر من مناسبة إلى شن احتجاجات لتحسيس المسؤولين بالضرر الذي يتعرضون له في كل مرة، معتبرين أن حالتهم الكارثية تستدعي من السلطات الولائية التعجيل في ترحيلهم قبل وقوع ما لا يحمد عقباه، مستغربين عدم تحرك السلطات الولائية لترحيلهم رغم الكوارث التي ارتبطت بهذا الحي العتيق الذي أضحى لا يقاوم الظروف الطبيعية ولم تعد الأساسات قابلة لصد الزلازل وأشغال الحفر المحاذية لمساكنهم، ولم تعد ظروف الحياة عامة داخل هذه المساكن صالحة للاستعمال البشري، فهم يأوون إلى عمارات مصنفة ضمن الخانة الحمراء خصوصا العمارات رقم 20 و22 بشارع البروفيسور صويلح والعمارات بـ “جامع اليهود” وكذا المقابلين لسوق ساحة الشهداء وكذا القاطنين بالجهة السفلى للقصبة وباب جديد، وهي قائمة بفضل الخشب الذي تستند عليه وبعض العمارات سلالمها مهترئة، بالإضافة إلى انفجار قنوات الصرف الصحي، ضف إليها زلزال أوت 2014 الذي زاد من تدهور الحي وكذا أشغال ميترو محطة ساحة الشهداء الذي زاد الأمر سوء، موضحين أن كل هذا لم يشفع لهم لبرمجتهم في عمليات الترحيل، وأن عمليات الترميم، حسبهم، لم تعد تجدي نفعا.

وحسب العائلات البالغ عددها قرابة ألفي عائلة، فإن سبب الامتعاض الذي هي فيه وجعلها تقود وقفات احتجاجية، هددت على أساسها بالتصعيد في أي لحظة هو سياسة التماطل التي تنتهجها المصالح الولائية في ترحيلها إلى سكنات لائقة معربة في المقابل عن مخاوفها من الحرمان من حلمها بالحصول على شقة بعد عشرية من الانتظار، خاصة أنها تلقت وعودا كثيرة بترحيلها.

 

تقاذف المسؤوليات عطل من مهمة التكفل بالقصبة وسكانها

أدى التسيير الكارثي للقصبة طوال العقود الماضية في تحولها من إرث إنساني قابل لاستقطاب السياح إلى خطر يحدق بأكثر من 500 عائلة تعيش تهديدات يومية بتهاوي سكناتها التي أكل عليها الدهر وشرب، حيث أعلنت الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبناء واللجنة الخاصة التابعة للهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين عن وجود مئات البنايات مهددة بالانهيار في أي لحظة، حيث أحصت 561 بناية في الخانة الحمراء، وتم تسجيل ثلث عدد البنايات المراقبة في خانة برتقالي 3 وبرتقالي 4، وكانت قد كشفت قبل 5 سنوات عن أكثر من 65 ألف بناية آيلة للسقوط بالعاصمة من بينها بنايات القصبة، لكن الأرقام الخاصة بالبنايات المهددة بالانهيار بالعاصمة تقول بأن الرقم الحقيقي للبنايات الآيلة غير معروف بصورة مدققة نظرا لوجود 450 ألف بناية قديمة بالعاصمة كانت قبل 15 سنة مهددة بالانهيار وتحتاج إلى ترميم، ونظرا لعدم ترميم عدد كبير منها فإن الرقم المقدم منذ 5 سنوات المقدر بـ 65 ألف بناية يكون قد ارتفع كثيرا، ناهيك عن عملية المسح التي شملت أيضا مؤسسات عمومية، وقد تبين أن البنية التحتية بها متضررة جدا وتستدعي هدمها فورا.

وحسب المختصين، فإن القصبة تعرضت للاهمال فترة ليست بقصيرة اتبعها عدم تكفل أمثل بسبب تداخل كثير من القطاعات بغية التكفل بها رغم آلاف المليارات التي صرفت بمشاريع الترميم التي ضخ فيها أكثر من 10 آلاف مليار سنتيم دون احتساب الصفقة الأخيرة التي أمضاها الوالي السابق عبد القادر زوخ مع “جون نوفال” و”فاليري بيكراس” برصد غلاف مالي ضخم قدر بـ 2600 مليار سنتيم، وأشار المختصون إلى أن القصبة كانت بحاجة إلى تقسيم لعدة قطاعات تتناسق فيما بينها ولا تتداخل وهذا بحكم مساحتها الكبيرة المقدرة بأكثر من 105 هكتار.

 

الأمراض والرطوبة تزيد من مشاكل المهددين بالموت ردما

دعت مئات العائلات المتضررة القاطنة بالحي العتيق بالعاصمة السلطات المعنية للالتفات إلى وضعها وعدم الاكتفاء بمجرد الاحصاء دون تتويج ذلك بترحيل نحو شقق لائقة أو على الأقل ترميم مساكنها ترميما يحميها من التهاوي على الأرض، عكس ما تم القيام به سابقا والذي وصف بأنه مجرد عمل ترقيعي سرعان ما كشفت عيوبه ليعود أصحاب المساكن إلى معاناتهم السابقة ويتجرعوا ألم الخوف اليومي مع كل قطرة مياه تتسرب إلى داخل منازلهم عبر السقف الذي أكل عليه الدهر وشرب، ولم يعد يقوى حتى على مجابهة الرياح دون الحديث عن مشاكل أخرى تنغص عليهم حياتهم اليومية، لكنها لم تبلغ درجة الخوف من الموت لا سيما بعد سلسلة الانهيارات التي طالت الكثير من المباني وأضحت تترصد أحياء مثل أربع طرق والإخوة رسيم وغيرها، الأمر الذي جعلها تطالب بحقها في العيش دون مخاوف الهلاك، وأبدت استغرابها لأسباب عدم ترحيلها رغم تمكين القاطنين الجدد بالحي من ذلك، في حين أنهم يقبعون في المنطقة منذ عقود طويلة دون أن يتلقوا أي أنباء عن فرج قريب وتشتكي العائلات من الوضع المزري الذي تتواجد عليه و الذي حرمها من حلو الحياة بعدما نالت من أفرادها الرطوبة وسببت الأمراض للصغار والكبار على حد سواء سيما منها تلك المتعلقة بالجهاز التنفسي كالربو والحساسية، محمّلين مسؤولية تفاقم الوضع إلى المسؤولين الذين أبقوا الوضع على ما هو عليه رغم الشكاوى الكثيرة المرفوعة.

 

منحرفون يستثمرون في مآسي سكان القصبة

استغل عدد من المنحرفين شغور مساكن واقعة على مستوى دويرات القصبة بعد ترحيل عائلاتها لاقتحامها وتحويلها إلى أوكار لارتكاب المحظور وإغراقها بالممنوعات في وضع أثار حفيظة السكان القاطنين بالجوار والذين أصبحوا يشعرون بالخطر المحدق بهم والقابل للتفاقم مستقبلا، بحيث سيهدد أمنهم وسلامتهم دون الحديث عن افقاد المنطقة لطابعها المحافظ ببروز نماذج تتجاوز الخطوط الحمراء وتفتح الباب أمام استقطاب ضعاف النفوس للانضمام إليهم، ما جعل الكثيرين يطالبون بإيجاد حل مع السكنات الشاغرة وتدخل الأجهزة الأمنية للحد من الظاهرة ووضع حد أمام أي محاولة لإفقاد المنطقة أمنها وبالتالي إعادة الأمور إلى نصابها، حيث ناشد أولئك الذين يقطنون على مستوى دويرات 26 أحمد بن حمادة السلطات المحلية التعجيل بالتدخل لإنهاء مشكلة أخذت تتفاقم في الفترة الأخيرة على خلفية تواجد سكنات شاغرة تركها قاطنوها وراءهم بعد استفادتهم من عمليات الترحيل لاعتبارات عدة أهمها أن خطر الانهيار يهدد هذه السكنات التي أضحت حاليا وكرا للمنحرفين الذين استغلوا عدم وجود سكان بها ليحتلوها ويرتكبوا فيها التجاوزات و يمارسوا سلوكاتهم المنحرفة سيما منها تعاطي المخدرات وتناول المشروبات الكحولية على مرأى ومسمع القاطنين بالمساكن المجاورة، والذين أبوا أن يتخذوا دور المتفرج بل عمدوا إلى رفع مراسلات عدة إلى الأجهزة الأمنية أملا في وضع حد لهم، غير أن الوضع بقي على حاله.

 

محاولات إعادة نبض العاصمة لا ترقى للمستوى المطلوب

لم تبق السلطات مكتوفة الأيدي إزاء التدهور الملفت الذي طال قصبة الجزائر، لكن أغلب محاولاتها لم ترق إلى الآن إلى المستوى المطلوب ومنها استعادة البريق السياحي لها، حيث حرصت بلدية القصبة منذ خوضها غمار الانفتاح على الآفاق السياحية وإعادة الاعتبار للموروث الانساني الذي تكتنزه دويراتها على إحداث القطيعة تماما مع تلك الصور التي التصقت بها خلال العشرية السوداء بأن استعان سكانها بأبواب حديدية دفاعا منهم عن أرواحهم من عصابات الموت، وقررت العودة إلى الطابع المجتمعي لقاطني القصبة المبني على التآخي والثقة والمحبة من خلال استبدال هذه الأبواب الموحية إلى إحدى أسوأ الفترات التي قاستها الجزائر بأبواب خشبية تستقطب السياح وتكرس ثقافة الأمن والأمان والطابع الأخوي بين سكانها إضافة إلى بعث الحياة في 10 نافورات وتأهيل المسالك، فعملت على توسيع مجالات التهيئة والترميم التي تحظى بها قصبة الجزائر المصنفة دوليا على أنها موروث انساني ينبغي الاعتناء به وامتدت مساعي حمايتها إلى تأهيل أركانها، بحيث تزيد فرص استقطابها للسياح العاشقين لاكتشاف عبق التاريخ عبر النمط البنياني الذي يحكي تفاصيل قد يعجز التاريخ نفسه عن نقلها و قررت البلدية بالتنسيق مع مصالح ولاية الجزائر، إعادة الاعتبار للمسلك السياحي الممتد من مدخل باب الجديد نزولا إلى مسجد كتشاوة وتحسين حالته بعدما نالت منه السنون المتعاقبة وأثرت على جماليته وحتى وضعية طريقه المهترئة، وبذلك عمدت إلى بعث الحياة فيه مجددا من خلال إعطائه وجها لائقا بدءا بتجديد الأرضية، ووضع قطع حجرية مربعة الشكل، كما كانت عليه سابقا، إذ أن الإجراء يسمح أيضا بتحسين حالة السلالم، إضافة إلى تجديد أبواب المنازل والمحلات بأخرى من الخشب.

كما قررت ذات المصالح بعث الحياة في عشر نافورات طالها الاهتراء وفقدت بريقها وجمالياتها كنافورة عين سيدي رمضان وعين بير وشبانة وغيرها، شأنها في ذلك شأن عديد المعالم على غرار مسجد وقصر الداي ومخزن الذخيرة وقصر حسان باشا التي استفادت من عملية الترميم، ضف إليها إعادة تهيئة قنوات مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار بشكل يقلل فيه من الأضرار التي لحقت بالبنايات العتيقة، كما حرصت على تكليف مؤسسة للنقل السريع للمياه الملوثة أو مياه الأمطار إلى خارج حدود المنطقة المأهولة.

 

تعليمات مستعجلة من الوالي الجديد لتسوية ملف القصبة

رفض الوالي الجديد للعاصمة يوسف شرفة طلبات تمديد آجال استلام مشروع ترميم القصبة، مشددا على ضرورة احترام نوعية الهندسة المعمارية والبعد الثقافي للقصبة، حيث استعجل اتمام الأشغال التي لم تتجاوز إلى الآن نسبة 40 بالمئة، مؤكدا على مرافقة الوصاية للمهندسين والمؤسسات المكلفة بالإنجاز من خلال تسخير كافة الإمكانيات، حتى يتم تسليم المشروع في آجاله المحددة، حتى يتمكن السياح والزوار الجزائريين والأجانب من استغلال هذا المنتوج بعد دخوله حيز الخدمة واستكشافه، مركزا على ضرورة استغلال المواد الأصلية التي تتماشى مع البنايات، في الإنجاز كون هذا التراث عالميا وحضاريا ويعد ملكا لكل الجزائريين، مشيرا إلى توفر 212 نقطة ترمم على مستوى القصبة.

روبورتاج: إسراء. أ