تحولت إلى عبء إضافي فرضته العادات والتقاليد… “المهيبة” بين سندان إلزامية التقاليد ومطرقة عجز تقديمها

elmaouid

ما تزال العديد من العائلات الجزائرية تحتفظ بعادات وتقاليد توارثتها منذ القدم، فلا تمر مناسبة إلا وتجسد فيها طقوس معينة لمد جسور التواصل وتوطيد العلاقات الاجتماعية والأسرية، من بينها ما يسمى بـ ”المهيبة”

وهي تعتبر من بين الهدايا التي تقدم للخطيبة كلما حلت مناسبة سعيدة كعيد الفطر المبارك  الذي يعتبر من المناسبات التي تفتخر فيها الفتيات بخطبتهن، وفرصة لتقدير قيمتهن لدى أزواجهن المستقبليين، بعدما تشد أنظار العائلة إلى ما سيجود به الزوج أو أهله من هدايا ثمينة.

تعتزم العديد من العائلات الجزائرية إلى ترسيم أجواء أعيادها والمناسبات الدينية وفق الأعراف والتقاليد التي تعودت عليها منذ زمن بعيد، كـ “المهيبة” التي تعتبر من العادات والتقاليد التي ما تزال تحافظ عليها العائلات الجزائرية وهي عينة من الموروث وجب الاحتفاظ بها، إلا أنها تعد في بعض الأحيان بمثابة نقمة على العديد من الأسر نظرا لتكاليفها الباهظة مما يثقل كاهلهم.

 

“المهيبة” عادة نحو توطيد العلاقة بين أهلي المخطوبين

ليست “المهيبة” عادة حديثة العهد ولا هي من المناسبات التي عرفها أهل الجيل الجديد إنما هي عادة موغلة في القدم، حيث عرفتها الأسر الجزائرية وما تزال تتوارثها إلى يومنا هذا لما فيها من آثار حميدة تجمع قلوب الأسر والمحبين فيما بينهم بعد العيد، ففيها يزور أهل العريس العروس ويجلبون معهم “المهيبة” أو ما يعرف بـ “حق العروسة” كعربون محبة وجسر للتواصل بين الأسرتين من جهة وبين الفتاة وزوجها المستقبلي.

وتتسم هذه الاحتفالات التي تتسم بطابع خاص بالنسبة للفتيات المقبلات على الزواج، بحيث يستفدن من عرف أو عادة “المهيبة” كما تعرف بالعامية في الجزائر، والتي تتلخص في تقديم هدايا للعروس تضمها إلى حقائب الجهاز، وتتنوع بين الألبسة والأطقم الراقية، إلى جانب الذهب. فمن العائلات من تفضل أن تقدمها ذهبا إلى العروس فكل حسب إمكانياته وقدراته المادية، بحيث تبتهج العروس وتروح إلى تحضير إكرامية لأهل العريس تتنوع فيها الحلويات بمناسبة جلب المهيبة للعروس، هذا وتعد الأسواق الشعبية قبلة لهم والتي تعرف حركية واسعة من طرف العائلات، من أجل جلب هدايا العروس وتقديمها بمناسبة العيد، وهناك من تفضل الخروج برفقة خطيبها لاقتناء الهدية، ومن العائلات من تختار فيها الحماة هدية كنتها من باب التقدير والاحترام فكل حسب عاداته وطباعه، بحيث تسأل الحماة كنتها عن الأشياء التي تحتاج إليها لكي تقتنيها لها وتقدم لها كهدية في “المهيبة” وكلها مظاهر تبين الرابطة القوية وحسن العلاقة بين أهل العريس وأهل العروس وكذا الترحيب بالعنصر الجديد الذي سوف يضاف إلى العائلة وهي العروس.

 

“زنقة العرايس” قبلة الحموات لاختيار هدية زوجة الابن

اقتربنا من بعض الأسواق الشعبية للعاصمة للوقوف على أجواء التحضير لعادة “المهيبة”، فوجدنا حموات يتلهفن على اختيار الهدية لزوجة الابن، فيما اختار بعض المخطوبين انتقاء الهدية بمفردهما تبعا لحاجيات العروس، وهو ما وقفنا عليه عند زنقة العرايس بساحة الشهداء التي تشهد حيوية كبيرة، هذا المكان الذي يعرض حاجيات العرائس بكل جزئياتها، بحيث اقتربنا من بعض الحموات لرصد آرائهن حول تلك العادة المتجذرة، فأجمعن على أنه لابد من مجاراة عادات زمان كونها عادات تجسد أصالة الأسر الجزائرية وأعرافها النبيلة التي تهدف إلى كل ما هو إيجابي، وعن نوع الهدايا التي تختارها العائلات الجزائرية فتتمثل في جبة راقية مخصصة للسهرات والأعراس تجدها في جهازها، عندها تتقدم إلى عائلة الزوجة لتقديم الهدية كعربون محبة لكنتها، فمعزة الكنة من معزة الابن وهي تتوق وتنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تزفها إليه لترى أحفادها قبل أن تغمض عينيها عن هذه الدنيا، كل هذه التقاليد التي تعد نعمة على عائلة الزوجة يبقى يتقاسم معاناتها شباب اليوم الذي أضحى يهاب مثل هذه التقاليد التي قد تزيد معاناته وهو يريد التخلص من عزوبيته وسط معاناته مع غلاء المعيشة في بلد قيل أنه من أغنى الدول العربية.

 

“المهيبة” الشبح الذي أصبح يهدد الشباب الجزائري

أضحت “المهيبة” عبئا على الشباب الجزائري الذي بدوره يشتكي غلاء المعيشة والبطالة، فالعادات كهاته تعد شبحا يهدد الشباب المقبل على الزواج، فزيارة أهل الخطيب إلى الخطيبة في المناسبات الدينية هي عادة لا مفر منها لما تحمله في فحواها من تقدير للعروس ورفع من قيمتها، وتبيين أهل العريس لرضوانهم عليها ولتوطيد العلاقة أكثر تبعا لعلاقة المصاهرة التي تجمع العائلتين.

 

الجزائريون ملزمون وعاجزون عن تقديم المهيبة

أضحت “المهيبة” في أيامنا تقليدا يحسب له ألف حساب نظرا لغلاء الأسعار التي تلتهب -عمدا- أياما قليلة قبل العيد، فالتجار يعلمون جيدا متى يستغلون الفرص، وبما أنها تقليد اجتماعي ضروري يجد الشاب نفسه في آخر المطاف منقادا إلى إتباعه. وللخاطب الحق في اختيار هدية عروسه، فهناك من يقتني الأقمشة الغالية وهناك من يقصد محلات الألبسة الجاهزة، ونادرا ما تكون الهدية من المجوهرات والحلي الذهبية لغلاء ثمنها.  وفي هذا الصدد تقول إحدى السيدات ان كل العائلات تولي المهيبة اهتماما خاصا، حيث تقدم فيها مجموعة من الهدايا من بيت الخطيب إلى بيت الخطيبة ويكون مقدار هذه الهدايا بحسب الإمكانيات المادية التي تتوفر لدى الخطيب، وخاصة أن ”المهيبة” تتكرر بين مناسبة وأخرى كأعياد الفطر والأضحى، المولد النبوي الشريف، وتتضمن عادة ”المهيبة” ألبسة نسائية أو قطعة من ذهب كخاتم أو سلسلة أو حلق وغيرها إضافة إلى أحذية وبعض أنواع الزينة والتجميل كالعطور وأدوات الماكياج، كما تختلف أنواع المستلزمات حسب النوعية والثمن، لذلك نجد الأسر تختلف بتقديمها للمهيبة وذلك حسب الإمكانيات المادية التي تتوفر لديهم، ومن عادة العائلات الجزائرية أنها تحترم هذه العادة ومهما كان وضعها المادي ضعيفا إلا أنها تقدم هدية ولو كانت رمزية فقط.

كما كان لنا حديث مع أحد الشباب “إسماعيل” المقبل على الزواج ”ربما تكون للمهيبة ميزة حسنة كونها تفرح خطيبتي وتقرب أسرتينا، لكن من جهة أخرى وبالنظر للتكاليف فهي تثقل كاهلي لأني أحب دائما إهداء خطيبتي أشياء ثمينة كحلي من ذهب أو لباس فاخر، فهذا يكلفني الشيء الكثير إضافة إلى الحلوى في عيد الفطر ونصيب من اللحم في عيد الأضحى المبارك”. في حين هناك من يتفق مسبقا مع خطيبته حول المهيبة كون العديد من الأشخاص إمكانياتهم المادية محدودة ولا يستطيعون تكليف أنفسهم بهدايا تفوق قدراتهم الشرائية.

 

النساء مجبرات على شراء المجوهرات بأنفسهن لتفادي “القيل والقال”

غالبا ما يكون الذهب حاضرا في عادات الأسر الجزائرية، حيث يفترض أن يقدم الزوج مجوهرات لخطيبته، إلى جانب هدايا أخرى، من ملابس وحلويات خاصة بمناسبة العيد، وبالنظر إلى الوضعية المادية المتواضعة لبعض الشباب وعجز آخرين منهم جراء معاناتهم من البطالة وعدم استقرار المهنة، تضطر بعض الفتيات إلى المساعدة دون علم عائلاتهن. فبين إلزامية تقديم المهيبة في عادات مجتمعنا وعجز بعض الأزواج عن تقديمها، تجد بعض النساء أنفسهن مجبرات على شراء المجوهرات بأنفسهن وتقديمها للزوج ليحضرها يوم العيد أمام الأهل والأقارب، حسبما أكده المجوهراتي “مراد” الذي يمارس مهنته بأحد أحياء ديدوش مراد بالعاصمة، حيث أوضح أن الفتيات، العاملات على وجه الخصوص، تصطحبن زوج المستقبل لاختيار هدية العيد حسب أذواقهن، وتقمن في بعض الحالات بدفع ثمنها وتقديمها للزوج، ليحضرها لها يوم العيد، وهي الوضعية التي ساهمت في ظهورها، حسب المتحدث، حالة الشباب اليوم وفشلهم في العثور على وظيفة مستقرة، بالإضافة إلى رغبة بعض الفتيات بالزواج التي تدفعهن إلى قبول مساعدة الخطيب مقابل تفادي الإحراج أمام العائلة. وقال محدثنا إن بعض الفتيات لا يستطعن هن أيضا دفع قيمة المهيبة دفعة واحدة، ويطلبن من صاحب المحل دفع المبلغ بالتقسيط على فترات معينة ومنهن من يطلبن المجوهرات، يضيف يوسف، قبل حلول شهر رمضان.

 

“المهيبة”.. من الملابس والعطور لـ”الآيفون” و”الآيباد”

أصبحت العروس الحديثة تفضل أحدث الأجهزة الرقمية وآخر صيحات التكنولوجيا لتستعملها في حياتها المهنية والدراسية. حيث ترى “زينة” 27 سنة، مقبلة على الزواج في نهاية السنة الحالية: أن اختيارها لهدايا عصرية أفضل بكثير من “المهيبة” الكلاسيكية والتي تكون في العادة فساتين تقليدية لا يعجب تصميمها ولونها العروس، فتظل مكدسة في الخزانة ولا تستفيد منها، وهو ما جعلها تطلب هذه السنة من عريسها أن يجلب لها جهاز “آيفون” أو هاتف “غالاكسي ” كهدية في عيد الفطر، وقد أعجب هذا الأخير بالفكرة ووافق عليها لأنها وفرت عليه عناء البحث عن هدية ترضيها. في حين أكدت “سميرة” 23 سنة، أنها تريد الحصول على “مهيبة” عصرية وغير تقليدية تتباهى بها أمام صديقاتها في العمل، ولأن الذهب والمجوهرات أصبحت موضة قديمة فلن ترضى إلا أن تكون “مهيبتها” مثل صديقاتها، لذا اختارت جهاز كومبيوتر محمول ليجلبه لها عريسها يوم العيد، وهو ما ترفضه والدتها لذا اشترت لها بعض الثياب والعطور لتضيفهم لها تفاديا للإحراج أمام أقاربهم.

وفي هذا الصدد أكد “دحمان ” صاحب محل لبيع الهواتف النقالة وأجهزة الإعلام الآلي بباب الوادي، أن هناك طلبا كبيرا في هذه الأيام على أجهزة الإعلام الآلي المحمولة وأجهزة “الآيفون” و”الآيباد” وغيرها من أحدث الهواتف النقالة الذكية وأجهزة “التابلات” من قبل شبان يأتون مرفوقين بخطيباتهم لاختيار هدايا عيد الفطر.