* برامج احتفائية مكيفة مع الظرف الراهن
تحيي الجزائر، غدا الأحد، الذكرى الـ 58 للاستقلال في سياق يتميز بالتجنيد لبناء جزائر جديدة، وتعزيز السيادة الوطنية التي كلفت ثمنا باهضا من خلال مخطط لتنمية اقتصادها، مع جهود مكثفة لتأمين حدودها في محيط دولي وإقليم غير مستقر.
وجاء الاحتفال بالذكرى الـ 58 لعيد الإستقلال الذي يصادف يوم 5 جويلية من كلّ سنة، تحت شعار “معاً لبناء الجزائر الجديدة”، حيث تسعى السلطة القائمة إلى بناء جزائر جديدة التي حلم بها الشهداء الأبرار.
من تاريخ سقوط إلى تاريخ الحرية و الإستقلال
قبل نحو قرنين من الزمن وتحديدا عام 1830، كان تاريخ 5 جويلية يشكل للشعب الجزائري عنوانا للهزيمة والخذلان، وذلك بحكم الروايات التاريخية التي تحكي كيف قام الجنرال الفرنسي “دي بورمن” بالإنزال التاريخي لقوات “جيش إفريقيا الفرنسي” في ميناء سيدي فرج بالجزائر في 14 جوان 1830.
سقطت مدينة الجزائر في 5 جويلية 1830، وذلك بعدما قام داي الجزائر “الداي حسين” بمقاومة شعبية لم تستمر أكثر من 21 يوما، لتنهي في ذلك اليوم أسطورة مدينة كانت تُوصف بالقلعة الحصينة، وكان يُضرب بها المثل في القوة، وذلك منذ أن فشلت البحرية الإسبانية بقيادة كارلوس الخامس في اقتحامها عام 1541.
الهزيمة التي ألحقتها قوات الجيش الفرنسي بأسطول الداي في شهر جويلية تحولت إلى حكاية طويلة من العذاب والقهر في حياة الشعب، والتي رسمت فيما بعد ملامح وحشية المستعمر القديم، فلم يكن هناك أحد يتخيل بأن تتغير الأحوال يوما ما، أو أن تتحقق نبوءة تلك الأبيات التي كتبها مفدي زكريا خلف القضبان، وكأنه كان على يقين تام بأن يوم النصر سيأتي لا محالة، وسيضطر المُستعمِر في النهاية للاستسلام حتى ولو طال الزمان.
استعمار ناهب للبلد
جثم الاستعمار الفرنسي على صدر الجزائر مدة 132 عاما، متخذا حجة “سخيفة” لاحتلال الجزائر. فقد كانت فرنسا الاستعمارية تبحث عن أدنى سبب لتبرر دخولها في حرب مع الجزائر، وذلك بعدما تحولت هذه الأخيرة إلى قوة إقليمية من الناحية الاقتصادية والعسكرية، حيث نجحت في بسط سيطرتها على جزء كبير من التجارة في البحر الأبيض المتوسط، ولم يكن بإمكان فرنسا وعدد كبير من الدول الأوروبية التحرك في مياه البحر دون دفع الإتاوات للجزائر.
وظلّت باريس تتحين فرصة الهجوم على الجزائر، وقد جاءت على طبق من ذهب، لا سيما وأن أسطول الجزائر تعرض للتحطيم قبل ذلك بثلاث سنوات في معركة نافرين، وأرسلت فرنسا قنصلها العام في مهمة روتينية إلى الجزائر من أجل الحديث مع داي الجزائر في مسألة تمديد مهلة الديون. حينها استشاط الداي غضباً، وأشار بمروحته إلى القنصل العام بضرورة مغادرة القصر، وهو ما بات يُعرف بحادثة المروحة التي اعتبرتها فرنسا السبب المباشر لاحتلال الجزائر، ليغادر آخر دايات الجزائر العثمانيين قصره إلى منفاه بمدينة ليفورنو الإيطالية، ثم إلى الإسكندرية إلى أن وافته المنية عام 1838، لتبدأ حينها فرنسا في تنفيذ خطتها الجهنمية لنهب ثروات البلد.
تاريخ دامٍ قاد إلى التحرير
شتان بين حال الجزائر في 5 جويلية عام 1830 وبين حالها في ذاك اليوم من عام 1962، حيث تفنّن المستعمر على مدار 132 عاما في فرض أبشع أشكال التعذيب والتنكيل على الشعب الجزائري.
ومخطئ من يعتقد أن كفاح الجزائر استمر فقط بين عام 1954 و1962، فالشعب الجزائري انطلق في وقت مبكرا جدا نحو حركة التحرير، ولم تكن الثورة التحريرية الكبرى “ثورة أول نوفمبر” إلا فصل الخطاب بعد حوالي مئة عام من الثورات التي تعاقبت بعناوين مختلف؛ “مقاومة الأمير عبد القادر” عام 1832 و”مقاومة لالة نسومر” عام 1854، و”مقاومة المقراني” عام 1871، و”مقاومة الشيخ بوعمامة” عام 1881، وغيرها من المقاومات التي تحركت في السنوات الأولى التي أعقبت حادثة “المروحة” الشهيرة.
نتيجة لذلك بات الشعب الجزائري في خانة أبرز شعوب العالم التي قدمت تضحيات كبيرة من أجل الحرية، ويكفي الإشارة إلى المجازر التي ارتكبها المستعمر بحق الجزائريين، ومنها مجازر 8 ماي 1945 التي كانت بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس بعد أن ارتكبت قوات المستعمر الفرنسي جرائم بشعة جدا ضد الشعب الجزائري الأعزل، حيث راح ضحيتها أكثر من 45 ألف جزائري تعرضوا حينها لأبشع أنواع التعذيب والقتل الجماعي في أسبوع واحد من قبل القوات البرية والجوية والبحرية للمستعمر الذي قام بتدمير القرى والمداشر والمدن.
وكانت تلك المجازر حلقة أساسية ليفجر الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة، والتي جاءت بعد أن كذبت فرنسا على الشعب الجزائري وخالفت وعدها بمنحهم الاستقلال عقب نهاية الحرب العالمية الثانية في شهر ماي 1945 نظير مشاركة عدد كبير من أبناء الشعب الجزائري في حربها على دول المحور.
لقد اختارت “جبهة التحرير الوطني” الطريق الصحيح بإعلان ثورة نوفمبر، ونجح رفاق الشهيد العربي بن مهيدي والعقيد لطفي وزيغوت يوسف وديدوش مراد في إلحاق عدة هزائم بقوات المستعمر الفرنسي، واستنزاف المستعمر عسكريا وسياسيا، لتجد فرنسا نفسها في النهاية ملزمة بالرضوخ لمطلب الشعب الجزائري، وذلك بعد أن حققت الدبلوماسية الجزائرية مكاسب دولية وحصلت على اعتراف دبلوماسي من الأمم المتحدة لتأسيس دولة الجزائر.
لمياء بن دعاس