استقلال الجزائر.. أسطورة القرن التي لن تتكرر
– العاصمة تحتضن الإحتفالات الرسمية المخلدة للذكرى
يحيي الشعب الجزائري، الخميس، الذكرى 56 لاستعادة حريته واستقلاله، هذا الاستقلال الذي يعد أسطورة لم يعرف لها العالم مثيلاً. هذه الملحمة هي عبارة عن أسطورة وحكاية طويلة الفصول، حزينة الأحداث،
تجمع بين البطولة والمأساة، بين الظلم والمقاومة، بين القهر والاستعمار، بين الحرية وطلب الاستقلال، كان أبطال هذه القصة الفريدة مليوناً ونصف المليون شهيد، وملايين اليتامى والثكالى والأرامل، وكتبت أحداثها بدماء قانية غزيرة أٌزهقت في ميادين المقاومة، وفي المساجد، وفي الجبال الوعرة، حيث كان الأحرار هناك يقاومون الاستعمار بكل تجلياته.
يحتفل الشعب الجزائري، الخميس، بالذكرى المزدوجة لعيدي الاستقلال والشباب، ففي هذا اليوم من شهر جويلية 1962 نالت الجزائر استقلالها وحريتها من الاستعمار الفرنسي بعد ثوره تحريرية كبرى دامت 7 سنوات (1954 – 1962) ضحى خلالها الشعب الجزائري بالنفس والنفيس في ثورة لم يشهد العالم مثلها، استشهد فيها أكثر من مليون ونصف المليون شهيد ظل العالم يذكرهم على مدار السنين.
سليل جيش التحرير.. برنامج مكثف إحياءً للمناسبة ودعوة عامة للمشاركة
ينظم الجيش الوطني الشعبي، ابتداء من الفاتح جويلية وإلى غاية العاشر منه 2017، برنامجا ثريا يشمل عدة نشاطات على مستوى المتحف المركزي للجيش بمناسبة الذكرى الـ 56 لعيد الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية، حسب ما أفاد به بيان لوزارة الدفاع الوطني.
وتهدف هذه الاحتفالات التي تندرج في إطار تقاليد الجيش الوطني الشعبي إلى تثمين مختلف المحطات التي طبعت التاريخ الوطني، حيث شهدت هذه الأيام تنظيم استعراض لمجاهدين مرفوقين بأشبال الأمة، بالإضافة إلى عروض متنوعة في الرياضات القتالية والقفز المظلي فضلا عن مشاركة فرقة موسيقية من الحرس الجمهوري في تنشيط هذه الأجواء الاحتفالية على مستوى ساحات مقام الشهيد، فيما يتم تخصيص ورشة رسم للبراعم حول موضوع الاستقلال.
كما نظمت بالمناسبة ندوات ومحاضرات علاوة على عرض أفلام ثورية و أشرطة وثائقية وأناشيد وطنية تخلد هذه المناسبة العظيمة، كما شكلت فرصة لتعريف الزوار عن كثب على منتجات عسكرية وطنية متنوعة تعكس مدى التطور الكبير والمستوى الرفيع الذي بلغته الصناعات العسكرية بمختلف فروعها ودورها البارز في دفع عجلة التنمية الوطنية.
وفي هذا الإطار، دعا الجيش الوطني الشعبي الجمهور العريض للتقرب من المتحف المركزي للجيش وساحة رياض الفتح لحضور ومعاينة هذه التظاهرة الهامة التي تتمحور حول القيم النبيلة والسامية للجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني.
الجزائر.. تاريخ حافل بالنضالات والثورات الشعبية
شاءت الأقدار أن يكون اليوم الذي بدأ فيه الاحتلال الفرنسي للجزائر هو نفس اليوم الذي استرجعت فيه الجزائر استقلالها، غير أن الفارق الزمني بينهما 132 عاما، كانت مليئة بالأحداث والشهداء، فقد دخل الفرنسيون مدينة الجزائر في 5 جويلية 1830 وكان عدد القوات الفرنسية التي نزلت الجزائر حوالي أربعين ألف مقاتل، خاضوا أثناء احتلالهم لهذا البلد الصامد العديد من المعارك الشرسة استمرت تسع سنوات فرضوا خلالها سيطرتهم على الجزائر.
سعى إلى إلغاء الوجود فواجه صلابة ألغت المسعى والطموح
كان الإستعمار الفرنسي يهدف إلى إلغاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الجزائري، وأن يكون هذا البلد تابعا لفرنسا، لذلك تعددت وسائل الفرنسيين لكسر شوكة الجزائريين وعقيدتهم ووحدتهم، إلا أن هذه المحاولات تحطمت أمام صلابة هذا الشعب وتضحياته وتماسكه، فقد بدأ الفرنسيون في الجزائر باغتصاب الأراضي الخصبة وإعطائها للمستوطنين الفرنسيين، الذين بلغ عددهم عند استقلال الجزائر أكثر من مليون مستوطن، ثم محاربة الشعب المسلم في عقيدته، فتم تحويل الكثير من المساجد إلى كنائس أو مخافر للشرطة أو ثكنات للجيش، بالإضافة إلى ما ارتكبوه من مذابح بشعة، أبيدت فيها قبائل بكاملها.
بدأت، المقاومة الجزائرية ضد الإحتلال الفرنسي مع أول نزول له على أرض الجزائر، وكان أقوى حركاتها حركة الجهاد التي أعلنها الأمير عبد القادر الجزائري في 1832م، واستمرت خمسة عشر عامًا، استخدم فيها الماريشال الفرنسي “بيجو”، وقواته التي وصل عددها 120 ألف جندي، حرب إبادة ضد الجزائريين، والحيوانات، والمزارع، فوقع الذعر في قلوب الناس، واضطر الأمير عبد القادر إلى الإستسلام في 1847م.
لم تهدأ مقاومة الجزائريين بعد الأمير عبد القادر، فما إن تنطفئ ثورة حتى تشتعل أخرى، غير أنها كانت ثورات قبلية أو في جهة معينة، ولم تكن ثورة شاملة، لذا كانت فرنسا تقضي عليها، وضعفت المقاومة الجزائرية بعد ثورة أحمد بومرزاق سنة 1872م، وقلت الثورات بسبب وحشية الفرنسيين، واتباعهم سياسة الإبادة التامة لتصفية المقاومة، وفقدان الشعب لقياداته التي استشهدت أو نفيت إلى الخارج، وسياسة الإفقار والإذلال التي اتبعت مع بقية الشعب.
الفرنسة.. سياسة أفشلها الجزائريون
لقد أحدث المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر جروحًا عميقة في بناء المجتمع الجزائري، حيث عملت فرنسا على إيقاف النمو الحضاري والمجتمعي للجزائر مائة واثنتين وثلاثين سنة، وحاولت طمس هوية الجزائريين الوطنية، وتصفية الأسس المادية والمعنوية التي يقوم عليها هذا المجتمع، بضرب وحدته القبلية والأسرية، واتباع سياسة تبشيرية تهدف إلى القضاء على دينه ومعتقده الإسلامي، وإحياء كنيسة إفريقيا الرومانية التي أخذت بمقولة “إن العرب لا يطيعون فرنسا إلا إذا أصبحوا فرنسيين، ولن يصبحوا فرنسيين إلا إذا أصبحوا مسيحيين”.
وكان التوجه الفرنسي يعتمد على معاداة العروبة والإسلام، فعملت على محو اللغة العربية، وطمس الثقافة العربية والإسلامية، وبدأ ذلك بإغلاق المدارس والمعاهد، ثم تدرج مع بداية القرن العشرين إلى منع تعلم اللغة العربية باعتبارها لغة أجنبية، وعدم السماح لأي شخص أن يمارس تعليمها إلا بعد الحصول على ترخيص خاص وفي حالات استثنائية، ومن ناحية أخرى عملت على نشر الثقافة واللغة الفرنسية، واشترطوا في كل ترقية اجتماعية ضرورة تعلم اللغة الفرنسية، كذلك عملوا على الفصل بين اللغة العربية والإسلام، والترويج لفكرة أن الجزائريين مسلمون فرنسيون.
أستاذ التاريخ لزهر بديدة:
“لا بد من كتابة التاريخ وفتح الأرشيفات العالقة”
أكد لزهر بديدة أستاذ التاريخ (تخصص تاريخ الجزائر) بجامعة الجزائر أنه يجب كتابة التاريخ، فتاريخ الجزائر لم يكتب بعد، فالدعوة ليست إلى إعادة كتابة التاريخ، إن لم يكتب بعد – متحسرا- وأكد أن كتابة التاريخ مهمة نبيلة جدا وعمل ضروري، لأنها تزود الباحث بمعطيات دقيقة ونزيهة، خاصة أنها تتطرق لحياة الرموز والأعلام، لأن الجيل الصاعد بحاجة ماسة للتعرف على أسلافه من خيرة العلماء والمناضلين، و قال بأن المدونات المهمة لم تضع بعد على الطاولة، فأرشيف مهري مثلا لن يفتح حتى 100 سنة من موته و بن بلة 25 سنة بعد موته، كما أن الأرشيف الوطني ما زال عالقا في فرنسا، لذا على الجزائر أن تعزم على كتابة تاريخها قبل فوات الأوان.
من جهته، نوه المجاهد أحمد عباس بضرورة إعادة كتابة تاريخ الجزائر، فيما يحمل في طياته ابهامات ودعا في نفس السياق إلى البحث عما هو موجود وتقديمه للتلاميذ والطلبة خاصة تقديم الأعداد الصحيحة في كتب التاريخ المدرسية، مشيرا إلى بعض الإحصائيات كتوقيف 1500 شخص من المتظاهرين خلال الثورة، قائلا بأن هذا العدد حقيقي وليس ما دونته أو ما يتفوه به بعض المؤرخين، وبأن الإحصائيات يلفها الكثير من الغموض، لذا يجب على الحكومة أن تسارع في تدوين تاريخها الحقيقي، وعن الاعتراف بالمجازر التي ارتكبتها فرنسا في حق الشعب الجزائري، قال بأن على الحكومة الجزائرية أن تعمل على إرغام الدولة الفرنسية على الاعتراف بالمجازر من انتهاك للحرمات وتذبيح وإبادات جماعية، وأكد بأن ما يقال إن المذابح التي ارتكبت ضد الشعب الجزائري من الماضي مرفوض، لذا نطالب بحق الاعتراف.
من جهته، قال سعيد عبادو الأمين العام لمنظمة المجاهدين بأن الدولة الجزائرية فشلت في كتابة و تدريس التاريخ من طرف المؤرخين والباحثين، “فمعظم المجاهدين لم تكن لهم الفرصة للذهاب إلى المدرسة، ولذلك فهم غير قادرين على كتابة مذكراتهم، إلا أنهم موجودون هنا، مستعدون للإدلاء بشهاداتهم لأنهم يتذكرون كل شيء”، و أشار في السياق ذاته إلى أنه رغم أن بعض الكتابات كانت سطحية إلاّ أنها كانت ذات فائدة للباحثين والمهتمين بتاريخ الثورة الجزائرية، فيجب على المجاهدين والمؤرخين أن يتعاونوا على إرجاع الروح لهذا التاريخ الذي صنع لنا هذه الحرية، و برغم أن كتابة التاريخ في الجزائر مسألة حسّاسة وستظلّ ناقصة لأن الكثير من الوثائق المهمّة والأرشيف ما زال عند المستعمر، إلاّ أنه من جهة أخرى لا زال لدينا الكثير من المجاهدين الذين لا يزالون على قيد الحياة وبحوزتهم العديد من الوثائق الهامّة التي تبين الكثير من التفاصيل الغائبة عن هذا الجيل وحتى عن المؤرّخين، لإثراء الكتب المدرسية خاصة كتب التاريخ بالدروس القيمة تحكي عن تاريخ الجزائر بالتفاصيل و الشهادات الحية لبشاعة المستعمر الفرنسي أثناء استعماره للجزائر.
الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين: “على فرنسا أن تعترف بجرائمها”
أكد سعيد عبادو في تصريح له أن الجزائر لن تتراجع عن مبدأ مطالبة فرنسا بضرورة الاعتذار قائلا: “يجب أن تعترف فرنسا بجرائمها المرتكبة في الجزائر، و كذا الاعتذار للشعب وتعويض الضحايا، فرنسا تحصلت على حقوقها من ألمانيا، فلماذا ترفض منح هذا الحق للشعب الجزائري. نحن نريد أن نبني علاقات جيدة مع فرنسا وطي بصفة نهائية هذه الصفحة المظلمة من التاريخ، ولكن هذا لا يمكن القيام به مع الخطب الاستفزازية التي تخلق في نفس الوقت الألم والمعاناة لشعب عاش أكثر من قرن تحت نير الاستعمار”.
حصيلة الجزائر المستقلة لا ترقى إلى مستوى تضحيات الشعب
وعن تقييمه لمسار الجزائر المستقلة، قال السعيد عبادو إن الحصيلة لا ترقى إلى مستوى تضحيات الشعب، حيث لم تتحقق الأهداف الرئيسية التي حملها تاريخ الفاتح نوفمبر، إلا أنه رفض الحديث عن حصيلة سلبية وذلك لعدة أسباب، أهمها الظروف التي مرت بها البلاد في سنوات الثمانينيات والتسعينيات “لقد خسرنا 20 سنة من وجودنا كدولة مستقلة شابة، وأوقفت آنذاك مشاكلنا الداخلية سواء السياسية أو الأمنية، مسار التنمية في جميع المجالات، واليوم بدأت الأمور تعود تدريجيا إلى مسارها الطبيعي مع عودة السلم”.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أشاد سعيد عبادو بما قامت به السلطات الجزائرية منذ الاستقلال في البناء والتشييد، مشيرا إلى أنه “تم تخصيص عشرات الملايير من أجل إعادة دفع القطاعات التي تخلق الثروات وفرص العمل، وعلى الصعيد السياسي، فقد تجاوزنا مرحلة التفكير الواحد نحو التعددية، لدينا حكومة ائتلافية وبرلمان تتمتع فيه المعارضة بفرض كلمتها، و الصحافة المكتوبة مستقلة، زد إلى ذلك الحكومة فتحت مجال السمعي البصري نحو الخاص، مؤكدا أن الديمقراطية عملية طويلة تتطلب وقتا والتزاما، سيكون من الظلم أن يطلب من الجزائر أن تقوم في ظرف سنة بما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا في قرن، كما أنه سيكون من الظلم أيضا أن تطلب المعجزات في بلد عاش تحت الاستعمار لمدة 132 سنة.
كتابة وتدريس التاريخ أكبر فشل للجزائر المستقلة
وقف سعيد عبادو عند نقائص الدولة الجزائرية وقال بأنها فشلت في كتابة وتدريس التاريخ من طرف المؤرخين والباحثين، “فمعظم المجاهدين لم تكن لهم الفرصة للذهاب إلى المدرسة، ولذلك فهم غير قادرين على كتابة مذكراتهم، إلا أنهم موجودون هنا،
ومستعدون للإدلاء بشهاداتهم لأنهم يتذكرون كل شيء”.