تحت شعار “الذاكرة تأبى النسيان”.. الجزائر تحيي الذكرى 76 لمجازر 08 ماي 1945

تحت شعار “الذاكرة تأبى النسيان”.. الجزائر تحيي الذكرى 76 لمجازر 08 ماي 1945

* مجاهدون: مجازر 8 ماي أبانت وحشية وجرائم فرنسا الاستعمارية وعلى الجيل الجديد التمسك بالوحدة

تحيي الجزائر، اليوم، الذكرى الـ 76 لمجازر 8 ماي 1945 التي سقط فيها نحو 45 ألف شهيد بنيران الاستعمار الفرنسي، وجاءت الاحتفالات هذه السنة تحت شعار “الذاكرة تأبى النسيان “، وتعتبر مجازر 8 ماي التاريخية أحد أبرز الأحداث التي تكشف عن الوجه القبيح لفرنسا إبان تواجدها في الجزائر الذي استمر نحو 132 سنة، راح ضحيته ما يقارب مليون ونصف المليون شهيد، وهي الجرائم الوحشية التي يطالب الجزائريون بشدة بإعادة فتح ملفاتها واعتراف فرنسا بما ارتكبته من جرائم في حق الشعب الجزائري، لكنها تتجاهلها بشدة وترفض الاستجابة لها.

وقد شكلت مجازر 8 ماي 1945 منعرجا حاسما في تغيير فكر المقاومة الجزائرية وأسست لتوجه جديد قائم على قاعدة ما أُخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة، كما كشفت الوعود الكاذبة التي قطعتها فرنسا الاستعمارية للشعب الجزائري بغية استعطافه خلال الحرب العالمية الثانية.

كما كانت هذه المجازر التي عايشتها عديد مناطق الوطن وسقط خلالها عشرات الآلاف من الجزائريين ضحايا للآلة الاستبدادية الفرنسية دليل آخر على مدى بشاعة المستعمر الفرنسي وتنصله من جميع صور الإنسانية، ففي الوقت الذي كان الفرنسيون يحتفلون بانتصار الحلفاء على ألمانيا النازية مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، خرج عشرات الآلاف من الجزائريين إلى الشوارع بكل من سطيف وقالمة وخراطة وكذا في مدن أخرى من الوطن، استجابة لنداء تنظيم مسيرة سلمية من أجل استقلال الجزائر، غير أن رد فعل الإدارة الاستعمارية كان شرسا وعنيفا، بحيث أنها أطلقت موجة من القمع الدامي ضد متظاهرين عزل، فخلال أسابيع عدة استعملت القوات الاستعمارية وميليشياتها كل أنواع العنف مع عمليات تقتيل مكثفة لم تستثنِ لا الأطفال ولا النساء ولا الشيوخ، وتم قتل أشخاص عزل رميا بالرصاص وتم نقل آخرين على متن شاحنات لرميهم في المنحدرات، فيما تم نقل آخرين خارج المدن لقتلهم وبعدها تم حرق جثثهم في خنادق مشتركة، ولإخفاء جريمته الشنعاء، استعمل الجيش الفرنسي أفران الجير للتخلص من جثث الضحايا، غير أن هذه الأفران ظلت شاهدة على واحدة من أفظع الأعمال الإجرامية في التاريخ المعاصر.

عبد الحميد سلاقجي:”نعمل على رفع دعوى قضائية ضد مرتكبي مجازر 8 ماي 1945 بلاهاي وبروكسل”

أعلن عبد الحميد سلاقجي رئيس جمعية 08 ماي 45 عن التحضير لرفع دعوى قضائية ضد مرتكبي مجازر 8 ماي 1945 التي تسببت في استشهاد وتشريد الآلاف من الجزائريين. وقال سلاقجي، إن أحداث 8 ماي 1945 حرّكت الوعي لدى الجزائريين ومهدت لقيام الثورة والكفاح المسلح، مضيفا أن الجمعية بصدد تحضير ملف لمقاضاة مرتكبي تلك المجازر أمام الهيئات الدولية.

وأضاف أن الجمعية سترفع دعويين قضائيتين، الأولى أمام لجنة حقوق الإنسان ببروكسل والثانية لدى محكمة العدل الدولية بلاهاي “لأن من قام بالجريمة معروفون لدينا ونمتلك قائمة إسمية لهؤلاء المرتكبين على غرار الجنرال ديفال وبورديلا وغيرهما، سواء كانوا في سطيف أو قالمة أو خراطة أو سعيدة أو في مناطق أخرى من الوطن التي كانت عرضة لتلك المجازر”.

مختصون: المجازر نقطة تحول من النضال السياسي إلى الكفاح المسلح

من جهته، اعتبر المؤرخ والباحث، موسى لوصيف، أن مجازر 8 ماي 1945 كانت محطة هامة في تاريخ الحركة الجزائرية لأنها تمثل نقطة تحول من النضال السياسي إلى الكفاح المسلح.

وأضاف أنه تم التحضير في سرية تامة لتلك المظاهرات من طرف الكشافة الإسلامية وجمعية العلماء المسلمين وبقية أعضاء الحركة الوطنية خصوصا حزب الشعب رغم ما جنده المستعمر الفرنسي من قوات لإحباطها. في حين اعتبر الباحث رابح قاريدي أن صور المجازر الرهيبة التي عاشتها المنطقة خلال أحداث 8 ماي 1945 لا يمكن أن تنسى لأن الجريمة لا يمكن أن تموت بالتقادم.

وقال إن صورا للمرأة النافس التي حاول الجنود الفرنسيون اغتصابها، وحينما رفضت قتلت رميا بالرصاص مع رضيعها لا يمكن أن تمحى من الذاكرة الجماعية. كما لا يمكن -يضيف- أن تنسى صور بعض سكان بني عزيز بولاية سطيف الذين كانوا يجمعون في حوض مائي ثم يرمون فيه حتى الموت ثم يلقى بهم كالكلاب. أيضا هناك -يقول- الحفر الجماعية لكثير من الشهداء ببني عزيز، حيث تم إحصاء حوالي ست حفر تضم أكثر من 150 شهيدا، وهذا دون الحديث عن قصف المنازل وحرقها ونفي المواطنين والاعتقال التعسفي والإعدامات الجماعية.

وأشار إلى أن هذه الصور أظهرت للعالم أن فرنسا التي تدّعي قيم الحرية والمساواة كان لها مشروع مجتمعي هو كيف يتحول الشعب الجزائري إلى مجتمع أوربي ذي أبعاد كاثوليكية وتغيير الخريطة الجغرافية للجزائر.

مجاهدون: مجازر 8 ماي أبانت وحشية فرنسا وعلى الجيل الجديد التمسك بالوحدة

أكد مجاهدون على أن مجازر 08 ماي 1945 أبانت وحشية فرنسا الاستعمارية التي ارتكبت أبشع الجرائم في حق المتظاهرين العزل، داعين الأجيال الصاعدة إلى ضرورة التوحد ونبذ كل أشكال التفرقة.هذا، وقدم المجاهد سي محمد الهادي الشريف المدعو جنادي مؤطر ومنظم المسيرة من سطيف -التي تحتضن احتفالات اليوم الوطني للذاكرة الذي أقره رئيس الجمهورية في يوم الـ8 ماي من كل سنة- عدة حقائق وشهادات حول هذه المظاهرات التي خرج فيها عشرات الآلاف من الجزائريين إلى شوارع سطيف وقالمة وخراطة وعدة مدن أخرى استجابة لنداء تنظيم مسيرة سلمية لمطالبة فرنسا باستقلال الجزائر. وخلال استعراضه لظروف وخلفيات التحضير لهذه المسيرة وأبرز المشاركين فيها، أشار محمد الهادي إلى أن رد فعل الإدارة الفرنسية كان شرسا وعنيفا بحيث أطلقت موجة من القمع الدامي ضد المتظاهرين العزل إلى جانب ممارستها لكل أنواع التعذيب في حق الأشخاص الذين تم اعتقالهم على خلفية هذه المظاهرات. ودعا المتحدث ذاته الأجيال الصاعدة إلى استخلاص الدروس من الماضي والتمسك بالوحدة الوطنية ونبذ كل أشكال التفرقة.

من جهته، قال سي اليامين جمعاوي مجاهد وكاتب للتاريخ الجزائري إن مجازر 8 ماي أبانت الطابع الإبادي لفرنسا الاستعمارية آنذاك من خلال أبشع الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري. كما أبرز أن هذه المجازر أدت إلى ضرب عمق الحركة الوطنية، حيث قامت فرنسا باعتقال معظم الوطنيين المنخرطين في حزب الشعب الذي كان يقوده مصالي الحاج.

وعن العوامل التي دفعت بالجزائريين للتظاهر والمطالبة بالحرية والاستقلال، ذكر المتحدث ذاته أن حالة النضج السياسي التي سادت تلك الفترة وتعالي الأصوات المنادية بحق الشعوب المضطهدة في تقرير المصير أزالت كل الحواجز وغيّرت الكثير من المفاهيم لدى الجزائريين خاصة الجنود الذين شاركوا مع فرنسا في حربها ضد ألمانيا النازية.

شباب رفعوا راية الحرية تحديا للمستعمر الفرنسي

رغم أن آلة القتل الفرنسية خلال مجازر 8 ماي 1945 بقالمة لم تفرق بين صغير وكبير أو رجل وامرأة، إلا أن الذاكرة الجماعية للمنطقة ما تزال تحتفظ بالدور البارز للشباب المتشبعين بالروح الوطنية في قيادة تلك المظاهرات ورفع راية الحرية والأمل في أوقات كان فيها من الصعب التصديق بإمكانية دحر المستعمر. وبعد مرور 76 عاما عن تلك الصفحة الدموية التي عاشتها شوارع مدينة قالمة والبلديات المجاورة لها ورحيل أغلب المشاركين فيها، فإن الكثير من الشهادات التي استقتها “وأج” حول تلك الأحداث، سواء من أفواه شهود فارقوا الحياة أو الذين ما زالوا أحياء يرزقون، تؤكد بأن الشباب كانوا في الصفوف الأولى لتلك المسيرات التي شارك فيها آلاف الجزائريين وكانوا أول المستهدفين في حملات الاعتقالات والتعذيب والقتل التي قام بها المستعمر لإخماد الانتفاضة التحررية حينها.

وفي هذا الصدد، يقول المجاهد أحمد الهادي طيروش البالغ من العمر 93 سنة، وهو أحد الذين شاركوا في تلك الأحداث ببلدية وادي الزناتي الواقعة (44 كلم غرب قالمة) أنه كان عمره حينها 19 سنة. كما أنه كان في الصفوف الأولى للمسيرة التي شارك فيها ما يفوق 10 آلاف جزائري قدموا من كل بلديات وقرى ومشاتي الجهة الغربية لقالمة على غرار تاملوكة وعين مخلوف وعين رقادة .

وتذكّر ذات المتحدث كيف كانت تلك المسيرة عصر يوم الثلاثاء 8 ماي 1945 حاشدة وسلمية ومنظمة حمل فيها المتظاهرون العلم الوطني، كما رددوا عدة أناشيد وطنية في مقدمتهم الشيخ مولود مهري إمام المسجد الوحيد بالقرية الذي لم يكن يتجاوز حينها 35 سنة وصديقه الشيخ عبد الرحمان بلعقون القريب منه في السن، مبرزا بأن انقلاب الشرطة الفرنسية على المتظاهرين كان مباغتا وقاموا باعتقاله هو شخصيا والمجاهد والسياسي الراحل عبد الحميد مهري الذي كان عمره آنذاك حوالي 19 سنة، فيما استشهد الشابان عبد القادر طويل ومحمد مغزي .

وتتقاطع شهادة أحمد الهادي مع شهادتين مكتوبتين أولاها للشيخ مولود مهري والثانية للشيخ عبد الرحمان بلعقون بمناسبة إحياء الذكرى الـ 76 لانتفاضة 8 ماي 1945، حيث أن كل منهما ألقى يومها خطبة مؤثرة وسط الجموع الكبيرة للمتظاهرين الذين قدموا من كل حدب وصوب. كما تعهدا لرئيس بلدية وادي الزناتي بضمان سلمية المسيرة بشرط عدم التعرض للجزائريين قبل أن ينقلب الفرنسيون ويحولون المشهد إلى موجة اعتقالات للمئات من الجزائريين عندما كانوا بصدد العودة إلى قراهم ودواويرهم .

المليشيات الفرنسية في حملة صيد للشباب المؤطر للمسيرات السلمية

أما بمدينة قالمة، فقد كان المشهد أكثر رعبا في تلك الحوادث التي تشير الشهادات بشأنها بأن الجندرمة الفرنسية والمليشيات المسلحة استهدفت بالدرجة الأولى قتل وأسر الشباب الذين كانوا الوقود الرئيسي للمظاهرات السلمية التي انطلقت من منطقة “الكرمات” خارج السور الذي كان يحيط بالمدينة بمشاركة أكثر من 2000 جزائري وهو ما زرع الرعب في نفوس الفرنسيين الذين اختاروا التعامل مع “المسيرة الحضارية” بوحشية كبيرة وكان أول شهيد سقط فيها عبد الله بومعزة المدعو حامد وهو لم يكن يتجاوز 15 سنة.

وحسب شهادة الحاجة العطرة عبده البالغة من العمر حاليا 97 سنة، فقد أعدم الفرنسيون في تلك المجازر كل من أخويها علي الذي كان يبلغ 17 سنة وإسماعيل (20 عاما) الذي كان طالبا بمدرسة العلماء المسلمين الجزائريين بقسنطينة، لافتة إلى أنها قامت بخياطة الراية الوطنية لأخيها إسماعيل ليحملها في تلك المظاهرات وذلك باستعمال ثياب “شورتها” التي جلبتها معها في عرسها الذي لم يمض عليه سوى عامين، حيث تزوجت في 1943 .

وتشير الوثيقة الخاصة بتنفيذ حكم الإعدام ضد الأخوين عبده والموجودة بأرشيف جمعية 8 ماي 1945 وهي عبارة عن مراسلة من قائد الفرقة المتنقلة بقالمة المدعو “بويسون” بعث بها إلى مدير الأمن العام للجزائر يوم 23 ماي 1945 ليخبره بأن “عملية إعدام المشاركين في المسيرة قد تمت رميا بالرصاص” وهم: بلعزوق السعيد والأخوين عبده علي وإسماعيل وبن صويلح عبد الكريم ودواورية محمد إضافة إلى ورتسي عمار ومبروك وشرفي مسعود وأومرزوق محند أمزيان، وقد كانوا كلهم يبلغون من العمر ما بين 17 إلى 28 سنة باستثناء ورتسي مبروك الذي كان وقتها في سن الـ 40.

لمياء. ب