تجمعهم الرغبة في الراحة وتفرقهم الوجهة… أسر جزائرية تتسارع لاغتنام ما تبقى من العطلة الصيفية

elmaouid

بعد مضي عام مليء بأعباء العمل وضغوط الدراسة ومسؤوليات البيت والأولاد، وبحلول شهر أوت ، تتسارع العائلات في اغتنام ما تبقى من العطلة فيبدأ معه كل فرد من أفراد الأسرة الاستعداد والتخطيط لقضاء عطلة

صيفية ممتعة تتضمن أوقاتا للاسترخاء والراحة والتنزه والتبضع ولقاء الأهل والأصدقاء بعد طول غياب في معمعة الكد والعمل والدراسة وروتين الالتزامات اليومية.

تتنوع الرغبات وتختلف الآراء بين أفراد الأسرة حول خطط قضاء العطلة الصيفية ومكانها، فمنهم من يفضل السفر، وبعضهم يفضلون البقاء داخل البلد لما يترتب على السفر من أعباء مادية كبيرة، وبهذه النقطة الخلافية ذاتها تبدأ أولى المشاكل العائلية التي قد يواجهها البعض مع بداية العطلة، فيما لو أصر كل فرد على رأيه وميوله، فضلاً عن الخلافات الثانوية الأخرى نتيجة سوء التخطيط لملء وقت الفراغ، مما يخلق جواً من الملل والضجر، فتصبح العطلة الصيفية محطة يقف عندها أفرادها وجهاً لوجه لتفريغ الضغوط الخاصة والدخول في لعبة شد الحبل، بعد تفرغ كل منهم للآخر دون شغلٍ شاغل.

 

منغصات العطلة

تتعدد أسباب الخلاف في العطلة الصيفية والنكد واحد. فتقول الطالبة ريم: “أبرز مشكلة تواجهني مع أهلي هي رغبتي في السفر، في حين يفضلون المكوث بالبيت، وأنا كفتاة ليس بمقدوري السفر بمفردي كإخوتي الذكور، بالإضافة إلى القيود التي قد يفرضها والدي أحيانا على دخولي وخروجي من البيت مع صديقاتي، مما يشعرني بملل وطول الوقت، ولا يمكن نسيان مشكلة المصروف الاعتيادي الذي لا يتناسب مع احتياجات التسوق والتنزه في العطلة”.

مشكلة البعض قد تتخطى خلافا حول السفر من عدمه، بل تكمن في تدبير مرحلة السفر وما بعده. فمن جانبها تقول السيدة جميلة :”أتشوق دوماً لقدوم الصيف والسفر للريف ورؤية أهلي وأقاربي هناك بعد طول غياب، ولكننا وبحكم عدم امتلاكنا منزلا مستقلا هناك نضطر لقضاء تلك الفترة  متنقلين بين بيوت الأقارب، وهذا ما يزعجني ويشعرني بعدم الاستقرار وكذا تعب أبنائي وعدم استمتاعهم بالعطلة كما يجب “

 

الميزانية ..بين شد وجذب

ليس للعطلة معنى عند البعض فيما لو لم يحق لهم تحديد توجهاتها وخططها، فترى السيدة فريدة أن أغلب الخلافات تكون على السفر، وتوضح: “زوجي هو من يحدد مكانها ومصاريفها ورغم أنه ميسور الحال وبإمكانه أخدنا لأي مكان نريده لكنه يفعل فقط ما يريد. مع العلم أنني لو قررت أنا مكان سفرنا فلن يستجيب لي، ورغم أن العطلة لتغيير الجو والاسترخاء فإنني لا أشعر بالراحة بملازمة زوجي لي طوال الوقت، خصوصا عندما أكون مجبرة على السفر، وأنا بطبيعة الحال مرتبطة به فلا أستمتع بالعطلة كما أتمنى”.

تفرغ الأزواج في العطلة الصيفية مشكلة تؤكدها السيدة سهام أيضاً، وتقول : “غالباً ما نذهب كل عام إلى الريف حيث أهلي وأهل زوجي ، والسفر في حد ذاته دمار لميزانية البيت، ونفاد لما في الجيب، وأكثر خلافاتي مع زوجي ناتجة عن المصاريف وتكاليف الهدايا التي نشتريها للأهل، هذا بغض النظر عن مطالب الأبناء. وبالنسبة لي فتمضية العطلة مع زوجي ليست بالشيء المشجع، فهو بطبعه لا يحب الخروج والتنزه، بعكسي تماما، وهذا ما  يخلق خلافات كثيرة مع تدخله في كل كبيرة وصغيرة نتيجة تفرغه لكل ما يحدث داخل البيت، والأفظع من هذا أن كثيرا من الأهل والأقارب يأتون من الخارج لتمضية العطلة الصيفية عندنا ونحن نرحب بالجميع ولكن بالتأكيد هذا يقيد حريتنا في الخروج للتنزه”.

 

 

مصاريف تثقل الكاهل

في مجمل الآراء كانت شكاوى النساء أكثر نسبة من الرجال، ومع هذا يشتكي بعض الأزواج من المشاكل الناتجة عن مصاريف العطلة الصيفية التي تنتظرهم، فيرد سليمان ضاحكاً على رأي زوجته التي تشتكي من تفرغه لها: “والله أنا أجد أن الزوجة هي من تنغص على الزوج عطلته بطلباتها، وبالنسبة لتدخل الزوج وانتباهه لكل ما يحدث في البيت، فأرى أنه شيء طبيعي باعتباره رب الأسرة، وهذه مهامه، فانشغاله طوال السنة أمر ليس باليد، حيث تتعود الأسرة والزوجة تحديداً على غياب الزوج، لذلك تنزعج عند تفرغه”.

أما رشيد فيؤكد هو الآخر على مشكلة تكاليف العطلة مضيفاً: “مصاريف السفر الهائلة تثقل الكاهل، خصوصاً لو كانت ربة البيت غير مدبرة، ففضلا عن أعباء السفر المادية واحتياجاتنا تنفق زوجتي مبالغ كبيرة لشراء هدايا الأعراس ، فنحن نتعب ونكد طوال العام حتى يضيع كل تعبنا وأموالنا في العطلة والتنزه وهدايا الأعراس ومختلف المناسبات، وبالتأكيد ينعكس هذا كله على العلاقات الأسرية”

يقول الدكتور طارق ميساوي استشاري نفسي “تتجلى في مجتمعنا مع بداية فصل الصيف رغبة في التجديد والاستجمام، هرباً من حرارة الصيف، أو تجديد النشاط والحيوية واستعادة الانتعاش، أو القيام ببعض المهام والأعمال التي يصعب القيام بها خلال أيام السنة نظراً لظروف العمل أو الدراسة، أو لعدم وجود عطلة طويلة خلال فصول السنة الأخرى”. وباعتبار أن لكل شخص أهدافه المتنوعة في الصيف، يحدد د. ميساوي من خلال عمله كاستشاري نفسي أكثر مشاكل الأسرة التي تواجهها خلال الإجازة الصيفية، ويوجز أهمها في توفير مصروفات العطلة الصيفية الصعبة والباهظة في أكثر الأحيان، كتكاليف السفر والهدايا ومصاريف الأبناء، ووجهة الأسرة لقضاء العطلة، حيث يصعب اختيار مكان التنزه المناسب على مقولة هذا المكان زرناه سابقاً، وهذا باهظ التكاليف، والآخر بعيد جداً. وبالتالي يتعذر الوصول إلى اتفاق بين جميع أفراد الأسرة حول مكان واحد للذهاب إليه، مما يدخلهم في صراعات وتوترات عديدة.

ومن المشاكل كذلك أن يكون لدى بعض الأبناء دراسة أو امتحانات أو دور ثان أو فصل صيفي جامعي. مما يضطر الأسرة إلى إلغاء الرحلة أو تأجيلها، فيسبب ذلك حالة من الحزن عند باقي أفراد الأسرة، وفي حالات أخرى قد تشعر فيها بعض الأسر التي تذهب لقضاء العطلة بنوع من القلق على أحد أفرادها الذي لم يسافر معهم لسبب أو لآخر، وقد يكون هذا الفرد الجد أو الأم أو أحد كبار السن أو أحد الأبناء.

ومن خلال الأسباب سالفة الذكر يؤكد د. ميساوي أن المشكلات الزوجية والأسرية تزداد خلال العطلة الصيفية خصوصا عند الأسر الفوضوية والمفككة عاطفياً وانفعالياً، لعدم وجود عمل أو هدف أو مهمة يقوم بها أفراد الأسرة، مما يؤدي إلى اضطرابات مواعيد النوم والأكل والراحة لدى الأبناء فيتحول الليل إلى وقت للهو واللعب والسهر، والنهار للنوم الطويل، ويعاني الوالدان أحياناً من عدم السيطرة على الأبناء خلال العطلة بسبب رغبتهم الملحة في الخروج والانطلاق بعيداً عن متابعة الأهل، وقد يحدث العكس فيصاب بعض الأهل بنوع من اللامبالاة تجاه متابعة أبنائهم مما يعرضهم إلى كثير من المخاطر كحوادث السيارات أو خطر الشواطئ، وغيرها.

وعن تفرغ الزوج خلال العطلة الصيفية يشير الدكتور ميساوي إلى أن الزوج يصبح أكثر هدوءاً بعيداً عن توترات العمل وضغوطه، فتكون له عين أكثر فحصاً وتحليلاً لمواقف الحياة اليومية في بيته، فنجده ينتقد سلوك الأم والأبناء والجميع، رغبة منه في التعديل والبعد عن السلوكيات غير المناسبة والتصرفات غير المسؤولة. وينصح الدكتور ميساوي الأسر بوضع أهداف إيجابية ونافعة للاستفادة من العطلة، بحيث تدفع الأسرة والمجتمع إلى الأمام وتساعد على مواصلة العام القادم بحيوية وإقدام وتعاون.