تجارة تحتاج إلى الذوق العالي, محلات “الأنتيكا”… أغراض تروي قصص الغابرين

elmaouid

تلقى محلات “الأنتيكا” بالعاصمة إقبالا كبيرا من طرف الزبائن العارفين والمحبين لقيمتها وفنها، رغم جهل الكثيرين لها، وتعرف هذه المحلات انتشارا مقبولا بالعاصمة، باعتبار أنها كانت منطقة عبور للعديد من الحضارات عبر مر الزمن، فتحوي العديد من اللوحات والأثاث التي تروي قصص الغابرين ممن مروا من هنا.

 “الأنتيكا” تنقل الإحساس في رحلة إلى قديم الزمان

يقول العارفون إن تجارة “الأنتيكا” مهنة لا يزاولها إلا أصحاب الذوق الرفيع والحس الجمالي العالي، أو لمن يمتلكون شغف جمع كل ما قد يعود بهم إلى الزمن الغابر، مع اعترافهم أن ممارستها تتطلب المال وسعة الثقافة التاريخية إضافة إلى الصبر والحكمة، في البحث عن تاريخها حيث لابد على جامعيها أن يكونوا على اطلاع تاريخي كبير، وهو ما وفرته شبكة الأنترنت.. وفي هذا الخصوص، أوضح لنا “بشير” تاجر الأنتيكا أن هناك من يرى في “الأنتيكا” مجرد خردة دون الوعي بقيمتها التراثية

والتاريخية معترفا أنها ليست بالتجارة السهلة، فرغم أن محله يقع في وسط العاصمة حيث البنايات القديمة والعمران العريق إلا أن زبائن هذه التجارة محدودون، الأمر الذي أرجعه إلى جهل الناس بقيمة هذه الأغراض المتمثلة غالبا في اللوحات الفنية الكبيرة، التماثيل النحاسية العتيقة، شمعدانات برونزية، قنينات عطرية قديمة، زراب، كراس، مرايا، أثاث خشبي من حقبات زمنية تغوص في التاريخ، وأشياء كثيرة لا يعرف قيمتها سوى هواة جمع التحف.

 

محلات شبيهة بمغارات علي بابا

عند دخولك لمحلات الأنتيكا يراودك شعور غريب ينقل إحساسك للماضي العريق، وخيالك لما اختزنته ذاكرتك من قصص علي بابا، فالتاريخ حاضر بقوة من خلال تلك الساعات القديمة، أجهزة راديو وهناك قطع ظلت ملك عائلات استقرت في بيوت المستعمر الفرنسي وأخرى من قصور حي القصبة، اضطر البعض إلى بيعها لظروف خاصة، وتوارثها البعض الآخر عن أجداد دفعهم تقسيم الإرث إلى بيعها وتقاسم مبالغها المالية، في حين تأرجحت أسباب أخرى بين عدم تقدير قيمتها، أو الحاجة إلى المال أو فقط الملل منها وحب تغييرها وبكل بساطة طغى فكر التطوير والعصرنة على أفكار البعض.

 

“الأنتيكا” مكان اجتماع الحنين للماضي العريق

يؤكد “حمزة” بائع لـ “الانتيكا” في شارع ديدوش مراد، أن بعض الأشخاص بدأ يتملكهم الحنين إلى كل ما هو قديم، أما عن مصدر هذه التحف، فقال محدثنا إن جميع قصور القصبة كانت تتواجد بها قطع قديمة، منها الفوانيس النحاسية، الثريات المصنوعة من الزجاج الملون، أرائك من الصدف، “فنيّق” وهي الصناديق الكبيرة من الخشب، “سكيمبلان” وهي مائدة قصيرة كانت قديما تقدم عليها قهوة المساء، سرير “ناموسية القبة” المصنوعة من النحاس أو من الحديد المنحوت، هذه الأغراض وغيرها تتصدر قائمة المبيعات في محل “حمزة” الذي أكد لنا أن القصبة كانت مليئة بهذه الأغراض الثمينة مع إشارته إلى أنها ثمينة في نظر من يمتلك الحس والذوق الرفيع لأنها في نظر البعض مجرد خردة و”قش قديم” فالقطع التي تبدو في نظر الشخص العادي بلا قيمة، هي ذات قيمة عالية في أعين هواة جمع التحف، ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل امتلاكها، وأوضح محدثنا أن عددا من الأشخاص يسكنهم هاجس البحث عن هذه الكنوز الأثرية، ليس بهدف الإتجار بها وإنما للاحتفاظ بها في إحدى غرفهم، وهناك من يتوفر على شبه متحف صغير في المنزل، يحتفظ فيه بمجموعة من التحف الفنية.

 

 

أغراض تركية، استعمارية ومنحوتات لفنانين عالميين

تتراوح الأغراض المعروضة في محلات الأنتيكا غالبا بين الأغراض التركية وما كانت تمتلكه الأسر الاستعمارية، إضافة إلى بعض اللوحات والمنحوتات الثمينة لفنانين عالميين، والتي تكون في بعض المحلات دون غيرها نظرا لغلائها وكذا تاريخها العريق والتي يعرضها ويقتنيها العارفون بتاريخها وبقيمتها، فلوحات لويس غراناتا، كوستون لوش، ايميغالي، دوغي، مولير، دوم، شنايدر، غوبرت، غالي..الخ وغيرهم من الفنانين هي قطع نادرة وغالية يضطر التجار لتخفيض قيمتها مقارنة بما تُباع به في أوربا لأنه بثمنها الحقيقي يستحيل أن يشتريها أحد في الجزائر، حتى وإن أراد أجنبي ذلك فلا يمكنه إخراجها من حدود الوطن، وهو ما يدفع التجار إلى خفض السعر محاولة لجلب الزبائن.