هواة جمع التحف الفنية القديمة يتطلعون إلى فضاء يجمعهم بمختلف الحرفيين

تجارة الأنتيكا… هوس الأثرياء الجدد

تجارة الأنتيكا… هوس الأثرياء الجدد

يتطلع هواة جمع التحف الفنية و”الأنتيكات” عبر ولاية الجزائر إلى تطوير عملهم التراثي، ويربطونه بإنشاء قرية فنية أو فضاء متخصص يجمعهم بمختلف الحرفيين لإعطاء معنى لنشاطهم متعدد الاختصاصات.

ويرى غناي محمد أمين، مجمّع “أنتيكات”، أن المحلات الموجودة في الجزائر العاصمة “غير كافية” لاستيعاب حجم النشاط في هذا المجال. وقال إن قرية فنية من شأنها “توفير” مجال للحرفيين المختصين في النحاس والفضة والنجارة الفنية وغيرها “لأن الأشياء القديمة بحاجة إلى صيانة وإصلاح”.

ورغم أهمية هذا النشاط تجاريا وثقافيا، إلا أنه ما زال “غير مستغل” من قبل الجماعات المحلية، ولا يشكل مصدرا لجلب السواح، ما جعل نشاط الأشخاص “مشتتا” لحد الآن، بدليل أنهم “غير منخرطين” في أي تنظيم معترف به، يضيف المتحدث.

ولتجنب “السرية” التي قد تحوم حول هذا النشاط، يرى السيد غناي وزملاؤه “الأهمية البالغة” لتنظيم المعارض عبر الساحات العمومية والمعالم التاريخية مثل “حصن 23” الذي سبق له احتضان معرض مماثل.

وفي غياب أرقام تضبط عددهم ونشاطهم، أشار هواة لهذا النشاط إلى أنهم حاملون لبطاقة حرفي، فيما أكد المدير العام لغرفة الصناعات التقليدية والحرف لولاية الجزائر أن تحول الحرفي من صانع للمواد الحرفية بمختلف موادها (خشب، نحاس، حديد، فخار…) إلى مجمع للتحف الفنية كتجارة قائمة بحد ذاتها يعتبر “تناقضا”.

إلا أن المجمعين الموجودين على مستوى العاصمة، -كما أضاف- يمكن اعتبارهما “منفذا هاما” للصناعة التقليدية، واشترط في ذلك أن تجد لهم وزارة السياحة “إطارا قانونيا” ينظمهم ويراقبهم عبر مفتشي الصناعة التقليدية لمديرية السياحة لولاية الجزائر.

ويفرق السيد كالي بين مجمع التحف الفنية و”الأنتيكات” وبين مجمع الأثاث القديم (البروكونت)، ويقول إن هذا الأخير “لا وجود” له في قائمة المهن الحرفية المعتمدة في الجزائر.

من جهته، قال المفتش بمديرية التجارة لولاية الجزائر، العياشي ظهار، إن مصالحه “تراقب” باعة التحف الفنية “بناء على نشاطهم كتجار حاملين لسجل تجاري وليس كحرفيين”، وتعاين “مدى تطابق” عملهم مع شروط الممارسة التجارية وفي حال وصول تبليغات بشأنهم.

ويرتبط عمل جامع التحف الفنية القديمة بنشاطات حرفية أخرى “ضرورية”، في نظر السيد حميطوش سليمان من بلدية باب الوادي، حيث يشتغل في تذويب النحاس. وقد اختص الحرفي في تصليح التحف النحاسية القديمة.

ويعمل هذا الحرفي على إزالة الصدأ من على التحف النحاسية ومسحها وتلميعها وأحيانا إعادة طلائها، إذا استدعى الأمر ذلك. كما قد يطلب منه إعادة تصنيع بعض النماذج النادرة أو المفقودة كقابض الأبواب والشمعدان بمختلف أنواعه الأوروبي والمشرقي وكذا الأطباق النحاسية كبيرة الحجم ذات الطابع العثماني.

واستطاع الحرفي العصامي أن يوجد لنفسه مجموعة معتبرة من المقتنيات، ويصبح بدوره جامعا للتحف النحاسية القديمة، إلا أنه أقر لـ “واج” أن “تقدير” التحفة ما زال “رهين” آراء الأشخاص المسنين وذلك في “غياب مراجع” واضحة أو شبكة معتمدة يمكن الرجوع إليها من أجل “تأكيد قيمة الشيء فنيا وتاريخيا”.

جمع التحف القديمة ذاكرة التراث الانساني

يملك غناي عبد الأمين مصباحا زيتيا يعود إلى 1860 و “ميسحاج” خشبي صنع في القرن 18 وجلد ثعلب نادر بطول يزيد عن 1متر بعشرين سنتيمترا يعود إلى 1925 حسب المعلومات التي استقاها من بائعه بفرنسا.

ويصف مجموعته بـ “تراث انساني”، تكمن أهميته في التعرف على الظروف المحيطة في صناعة كل قطعة ومالكها ومسارها. ولا يمكن الحصول على كل تلك المعلومات الدقيقة في “غياب شبكة وطنية لمجمعي التحف الفنية”، -حسب قوله-.

ويؤكد عبد الرحمن بن رضوان، بصفته واحدا من المجمعين المعروفين بالعاصمة، أن الناشطين في المجال يتعاملون فيما بينهم بـ “المقايضة”، كصيغة تجارية جد منتشرة في هذا الوسط الذي ما زال يتسم -حسبه- بـ “التكتم والتحفظ”.

“خيار فني” وليس مهنة

ويشدد المتحدث على أن جمع التحف الفنية “ليست مهنة وإنما خيار فني”، وبالتالي فالهدف “ليس تجاري محض” لأنه عمل يتطلب تكريس وقت ومساحة لحفظ المقتنيات وصيانتها.

وبخصوص امكانية استغلال هذا النشاط ذي الطابع الفني في مجال السياحة الثقافية لمدينة الجزائر، اعتبر بن رضوان أن “قلة من الناس يدركون قيمة تلك التحف”، والمشتري الجيد ما زال “نادر” في الجزائر، أي ذلك الذي “يبحث عن القصة” من وراء الشيء المقتنى.

“الأنتيكا” تنقل الإحساس في رحلة إلى قديم الزمان

يقول العارفون إن تجارة “الأنتيكا” مهنة لا يزاولها إلا أصحاب الذوق الرفيع والحس الجمالي العالي، أو لمن يمتلكون شغف جمع كل ما قد يعود بهم إلى الزمن الغابر، مع اعترافهم أن ممارستها تتطلب المال وسعة الثقافة التاريخية، إضافة إلى الصبر والحكمة في البحث عن تاريخها، حيث لابد على جامعيها أن يكونوا على اطلاع تاريخي كبير، وهو ما وفرته شبكة الأنترنت.. وفي هذا الخصوص، أوضح لنا بشير تاجر “الأنتيكا” أن هناك من يرى في “الأنتيكا” مجرد خردة دون الوعي بقيمتها التراثية والتاريخية معترفا أنها ليست بالتجارة السهلة، فرغم أن محله يقع في وسط العاصمة حيث البنايات القديمة والعمران العريق إلا أن عدد زبائن هذه التجارة محدود، وهو ما أرجعه إلى جهل الناس بقيمة هذه الأغراض المتمثلة غالبا في اللوحات الفنية الكبيرة، التماثيل النحاسية العتيقة، شمعدانات برونزية، قنينات عطرية قديمة، زراب، كراس، مرايا، أثاث خشبي من حقبات زمنية تغوص في التاريخ، وأشياء كثيرة لا يعرف قيمتها سوى هواة جمع التحف.

محلات شبيهة بمغارات علي بابا

عند دخولك لمحلات “الأنتيكا” يراودك شعور غريب ينقل إحساسك للماضي العريق، وخيالك لما اختزنته ذاكرتك من قصص علي بابا، فالتاريخ حاضر بقوة من خلال تلك الساعات القديمة، أجهزة راديو، وهناك قطع ظلت ملك عائلات استقرت في بيوت المستعمر الفرنسي وأخرى من قصور حي القصبة، اضطر البعض إلى بيعها لظروف خاصة، وتوارثها البعض الآخر عن أجداد دفعهم تقسيم الإرث إلى بيعها وتقاسم مبالغها المالية، في حين تأرجحت أسباب أخرى بين عدم تقدير قيمتها، أو الحاجة إلى المال أو فقط الملل منها وحب تغييرها وبكل بساطة طغى فكر التطوير والعصرنة على أفكار البعض.

“الأنتيكا” مكان اجتماع الحانّين للماضي العريق

يؤكد حمزة بائع لـ “الانتيكا” في شارع ديدوش مراد، أن بعض الأشخاص بدأ يتملكهم الحنين إلى كل ما هو قديم، أما عن مصدر هذه التحف، فقال محدثنا إن جميع قصور القصبة كانت تتواجد بها قطع قديمة، منها الفوانيس النحاسية، الثريات المصنوعة من الزجاج الملون، صحين وسط الدار، آرائك من الصدف، “فنيّق” وهي الصناديق الكبيرة من الخشب، “سكيمبلان” وهي مائدة قصيرة كانت قديما تقدم عليها قهوة المساء، سرير “ناموسية القبة” المصنوعة من النحاس أو من الحديد المنحوت، هذه الأغراض و غيرها تتصدر قائمة المبيعات في محل حمزة الذي أكد لنا أن القصبة كانت مليئة بهذه الأغراض الثمينة مع إشارته إلى أنها ثمينة في نظر من يمتلك الحس والذوق الرفيع لأنها في نظر البعض مجرد خردة و “قش قديم”، فالقطع التي تبدو في نظر الشخص العادي بلا قيمة، هي ذات قيمة عالية في أعين هواة جمع التحف، ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل امتلاكها، وأوضح محدثنا أن عددا من الأشخاص يسكنهم هاجس البحث عن هذه الكنوز الأثرية، ليس بهدف الإتجار بها وإنما للاحتفاظ بها في إحدى غرفهم، وهناك من يتوفر على شبه متحف صغير في المنزل، يحتفظ فيه بمجموعة من التحف الفنية.

أغراض تركية، استعمارية ومنحوتات لفنانين عالميين

تتراوح الأغراض المعروضة في محلات الأنتيكا غالبا من الأغراض التركية وما كانت تمتلكه الأسر الاستعمارية، إضافة إلى بعض اللوحات والمنحوتات الثمينة لفنانين عالميين، والتي تكون في بعض المحلات دون غيرها نظرا لغلائها وكذا تاريخها العريق والتي يعرضها ويقتنيها العارفون بتاريخها وبقيمتها، فلوحات لويس غراناتا، كوستون لوش، ايميغالي، دوغي، مولير، دوم، شنايدر، غوبرت، غالي..الخ وغيرهم من الفنانين هي قطع نادرة وغالية يضطر التجار لتخفيض قيمتها مقارنة بما تُباع به في أوروبا لأنه بثمنها الحقيقي يستحيل أن يشتريها أحد في الجزائر، حتى وإن أراد أجنبي ذلك فلا يمكنه إخراجها من حدود الوطن، وهو ما يدفع التجار إلى خفض السعر محاولة لجلب الزبائن.

لمياء. ب