تتصدر الأخبار وتعلو صفحات الجرائد, “جرائم القتل”.. تستفحل في المجتمع وتفتك بالأسرة الجزائرية

تتصدر الأخبار وتعلو صفحات الجرائد, “جرائم القتل”.. تستفحل في المجتمع وتفتك بالأسرة الجزائرية

 

يشهد المجتمع الجزائري تزايد حالات الجرائم خلال السنوات الأخيرة بشكل لافت للإنتباه، حيث أصبح إزهاق الروح لأتفه الأسباب أمرا واردا، والملاحظ فيها أن الجاني لا يكون غالبا من ذوي السوابق العدلية أو الأشخاص المنحرفين، حيث كثيرا ما اهتزت الأحياء على جرائم أبطالها من أسرة واحدة، وتتعلق بقتل الأم لأبنائها أو ذبح الابن لأبيه أو ذبح الأب لأبنائه والأخ لأخيه، لتنقل واقعًا كان مخفيًا وخرج اليوم للعلن وصار في واجهة الإعلام، وإن تعددت الأسباب بالنسبة لمرتكبيها، فإن الثابت هو استفحال الجريمة في الجزائر وداخل العائلات تحديدًا وهي حسب الأرقام في تفاقم خطير.

بعد حالات الاختطاف المرعبة، باتت جرائم القتل في حق الأقارب ترهب النواة الأولى للمجتمع وتدخله في دوامة يصعب الخروج منها، وبحسب المتتبعين للشأن الاجتماعي في الجزائر، فإن هذه الجرائم باءت تكشف مدى تفاقم المشاكل وراء جدران الأسرة الجزائرية، حيث لخص أسبابها المختصون في علم الإجتماع لمشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية تخنق الأسرة، حيث تبدأ إما بسبب مشكل اقتصادي يرجع إلى البطالة مثلًا أو أزمة السكن أو تعود لاضطرابات نفسية بين الزوجين في حالات كثيرة.

 

الشرطة تكشف عن أرقام مخيفة

كشفت الشرطة في الجزائر عن ارتفاع معدلات الجريمة داخل المجتمع الجزائري، حيث تمت معالجة 9685 قضية منذ بداية العام، من بينها 6151 متعلقة بجرائم القانون العام أي ما نسبته 64 % من العدد الإجمالي للقضايا، من بينها أيضا 10 % متعلقة بالجريمة المنظمة، غالبيتها تتعلق بقضايا تهريب المخدرات والسرقة والقتل والتسبب في الحرائق، وحمل الأسلحة البيضاء.

كما تم توقيف 10 آلاف و533 شخصا، وُضع منهم 952 في الحبس المؤقت، ما يعني ارتفاع مستوى الجريمة داخل المجتمع الجزائري بنسبة 16 %.

تأتي هذه المعلومات والأرقام الرسمية بعد تصنيف الجزائر في المرتبة الـ 49 عالميا والسادسة عربيا في مؤشر الجريمة العالمي لسنة 2018 من أصل 125 دولة.

كما صنف التقرير الصادر عن موسوعة قاعدة البيانات “نامبيو” الجزائر بنسبة 49.57 % من مقياس الجريمة على مقياس الأمان والسلامة، كما تعتمد “نامبيو” في تصنيفها والتي تعتبر أحد أكبر قواعد البيانات على شبكة الإنترنت في العالم، على معايير القتل والسطو والسرقة والاغتصاب، وكل ما يتعلق بأنواع الإجرام.

 

اختفاء الجريمة ورمزيات “الحراك”

وشدت الجريمة انتباه الجزائريين، إلى عودة جرائم القتل والاعتداءات، بعد بضعة أشهر من اختفاء أخبار من هذا النوع ارتبط تفسيرها بـ “رمزيات” برزت في الحراك الشعبي.

في مسيرات فيفري الماضي وخلال جمعات مارس كانت رسائل المتظاهرين قوية في مطالبها السياسية ومحاربة الفساد، لكنها كانت فارقة وغير مسبوقة في سلميتها أيضاً.

وأثارت  تلك المظاهر انتباه عدد كبير من متخصّصي علم الاجتماع، لا سيما أن آلافاً من أنصار فرق كروية شاركت في المسيرات، وكانت الحكومة تنعت هؤلاء بمثيري الشغب. بيد أن التزامهم السلمية فاق الخيال والتصورات، لتظهر لاحقاً فرق متطوعة لتقديم الإسعافات إلى المتظاهرين، ولم تسجل أي جريمة في المسيرات لستة أسابيع على الأقل.

 

عودة مظاهر العنف

في نهاية أفريل بدأت الشرطة تتحدث في بيانات عن اعتداءات وسط المتظاهرين. وبعدما كانت اعتقلت في البداية مجموعات مرتبطة بما سمته “عصابات مالية” هدفها إحباط “سلمية” التظاهر، راحت تنشر لاحقاً معطيات عن أفراد تسللوا إلى المسيرات، وتعمدوا عمليات نشل وسرقة أو اعتداءات بالضرب أو الشتم. وارتفعت فجأة الاعتداءات ضد النساء.

وأدت تلك المظاهر إلى رد فعل من الشرطة الجزائرية، إذ أغلقت نفق الجامعة وسط العاصمة، الذي ظل أسابيع رمزاً للحراك لدرجة تسميته “نفق الحراك”، ثم فرضت إجراءات احتياطية بسبب التزايد في معدلات الجريمة.

 

شائعة جعفري: لا يمكن وصف الجريمة عندنا بالظاهرة

المختصة في قضايا المجتمع، الدكتورة شائعة جعفري، اعتبرت أنه لا يمكن وصف الجريمة في الجزائر بالظاهرة، ومقارنة مع دول أخرى فهي تبقى مشكلة، أما عن أسبابها فترى المختصة أنها عديدة، من بينها “تخلي الشباب عن الموروث الاجتماعي، انتشار المخدرات في أوساط الشباب، ضعف الوازع الديني، ومن أهمها أيضا تخلي الأولياء عن مسؤولياتهم تجاه أبنائهم، والتفكك الأسري المنتشر في المجتمع الجزائري، والدليل على ذلك قضايا الطلاق اليومية التي تعرفها المحاكم الجزائرية”.

إضافة كما تقول الدكتورة جعفري إلى “خروج المرأة للعمل وتحملها المسؤولية خارج منزلها أثر بشكل كبير على اهتمامها بدور الأم التربوي خاصة مع الأجيال الجديدة من الأمهات التي تجد صعوبة كبيرة في التوفيق بين مسؤوليات العمل والبيت”.

كما أشارت إلى ارتفاع مستوى الجريمة في أوساط المتعلمين والجامعيين بسبب النظم التعليمية الهشة، حيث أرجعت ذلك “إلى تغير نوع الجريمة كالجرائم الإلكترونية”.

 

نصر الدين جابي: لابد من دراسة طويلة لمعرفة أسباب تطور الجريمة

من جهته، نصر الدين جابي، المختص في علم الاجتماع له رأي آخر في هذه الأرقام والتصنيفات، حيث يرى أن هذه النسبة “غير كافية لتحديد الأسباب، فهي تبقى إحصائيات مبتورة كونها قصيرة المدة، ولا يمكن الوصول إلى تحليل منطقي وعملي في نصف سنة أو حتى عام”.

مضيفا أنه “لا بد من دراسات طويلة المدى تبدأ من 5 سنوات، تدرس تطور الجريمة في المجتمع، ومن هنا يمكن تحديد أسباب دقيقة وعلمية لمشكلة الجريمة في الجزائر”.

وبرر المختص الاجتماعي ذلك “بأن معطيات المجتمع لا تتغير وهي ثابتة في هذه الفترة التي وردت فيها هذه الأرقام، فالظروف الاجتماعية والاقتصادية هي نفسها التي يعيشها المجتمع الجزائري سواء خلال هذه الفترة أو منذ العام الماضي”.

 

جرائم أرعبت المجتمع

“جريمة قتل شنعاء راح ضحيّتها طفل في الثامنة”، “مراهق يضع حدّا لحياة والدته”، “شاب يقتل صديقه وينكّل بجثته”، “زوج يذبح زوجته من الوريد إلى الوريد”، قضايا قتل مروّعة بات الجزائري يستيقظ عليها يوميا، قضية ذبح الطفل “ريان” تدمي القلوب، من منا لم يتأثر لدموع وآهات والدة الطفل “ريان” من حي “بوسيجور” القصديري بمنطقة بوزريعة بالعاصمة، هذا الملاك الصغير الذي لم يجاوز عامه الثامن، رحل إلى الأبد، وترك أمّا لن تنطفئ نار الغدر بفلذة كبدها، بكت وبكى معها جميع الجزائريين، على براءة انطفأت شمعتها مبكرا، ورحلت إلى بارئها معلنة عدم قدرتها على العيش وسط قتلة لم يرحموا ضعفها. تفاصيل مروّعة لقضية “ريان” فحسب رواية الوالدة، بدأت بنشوب شجار أطفال بين الضحية وابن الجاني، لتتطور الأمور بعد ذلك ويقوم الأب -وهو جار الضحية- بذبح الطفل والتنكيل بجثته، حيث قام المتهم باستدراج الضحية إلى مسكنه على الساعة السابعة مساء ليقوم بذبحه، ولم يشفِ غليله وراح يوجه له طعنات بسكين على مستوى مختلف أنحاء جسده، وليتأكد من انقطاع نفسه للأبد، أحضر ساطورا وقطّع جثة الطفل إلى أشلاء، وقد أقدم المتهم بفعلته تلك بدافع الانتقام لابنه بسبب خلاف سابق بين الضحية وابنه البالغ من العمر 8 سنوات.

كذلك عرفت ولاية مستغانم جريمة قتل الجاني والضحية شقيقين، تعود أسبابها لخلافات يومية، حيث كثيرا ما قام الجاني بالتشاجر مع أخيه الأكبر بإيعاز من زوجته لتحتد الأمور هذه المرة وقام بضرب شقيقه ضربة مميتة وسلم نفسه للشرطة وهو في حالة انهيار ولا يصدق أنه قام بقتل شقيقه، كما اهتزت مؤخرا مدينة العلمة بسطيف على جريمة قتل فظيعة راح ضحيتها الشاب أمير حماني صاحب 23 سنة والقاطن بحي “بورفرف” بمدينة العلمة، تفاصيل الحادثة بدأت بشجار بين الضحية وشاب آخر انتهت بجريمة قتل بواسطة سلاح أبيض مع التنكيل بالجثة كذلك، ليفرّ الجاني إلى وجهة مجهولة بعد أن ترك الضحية يسبح في دمائه، قبل أن يعثر على جثته مرمية بالقرب من مسجد الحي. وتقدم المتهم الرئيسي في القضية الساكن بحي “هواري بومدين” لمصالح الأمن الحضري الثالث، وسلّم نفسه معترفا بارتكابه الجريمة رفقة صديقه البالغ من العمر 19 سنة القاطن بحي “صخري” والذي تمكنت المصالح الأمنية من توقيفه. ويعود السبب -حسب تصريحات المتورطين- إلى أن الضحية الذي يعتبر صديقهما يقوم باستفزازهما وإهانتهما بألفاظ مشينة، مما جعل الغضب والانتقام يتسرّب لنفسيهما ليقررا التخلص منه بطريقة مشينة أين تم قطع أصابعه وبقر بطنه ورمي جثته. وقرر وكيل الجمهورية إيداعهما الحبس المؤقت لحين محاكمتهما بنية القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد مع التنكيل بالجثة.

ل. ب