الجزائر- عاد الحديث مجددا عن المساعي الفرنسية لاستدراج الجزائر في حرب عسكرية في مالي، بعد دعوة مطالبة الدبلوماسي الفرنسي السابق، نيكولا نورمان، مؤخرا الحكومة الجزائرية بـ”السماح للقوات الأجنبية
التي تلاحق المجموعات الإرهابية في منطقة الساحل، باستعمال أراضيها كقاعدة في هذا المجهود الحربي”.
ودعا السفير الفرنسي السابق في مالي في حوار مع صحيفة مالية، الجزائر إلى “فتح حدودها للقوات الأجنبية العاملة ضمن قوة الساحل 5 (تضم فرنسا وتشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتدعمها مالياً كل من السعودية والإمارات)”. وهي الدعوة التي سبق أن رفضتها الجزائر، بعد أن تلقتها من الفرنسيين والخليجيين، لدى تشكيل هذه القوة الصيف الماضي.
وبرر نورمان طلبه للجزائر، بأن “مجموعة من المسلحين الناشطين في التنظيمات الإرهابية في مالي والساحل، هم من جنسية جزائرية، ممن رفضوا مسار المصالحة الوطنية في مالي”، في إشارة إلى عدد من الجهاديين الجزائريين، وأبرزهم مختار بلمختار وأبو الوليد الصحراوي ومحمد السوفي، وعناصر أخرى في تنظيمات مختلفة، أبرزها تنظيم “أنصار الإسلام” الذي تشكّل بعد تحالف بين أربعة تنظيمات مسلّحة.
وتساءل الدبلوماسي الفرنسي عن “خلفيات ودوافع رفض الجزائر الانخراط في القوة. وهل في حال لجأ الإرهابيون المطاردون في مالي إلى الجزائر، سيكون لقوة الساحل 5 حق متابعتهم على الأراضي الجزائرية؟ أم أن الجيش الجزائري سيطارد هؤلاء من دون أن يكون طرفاً في مجموعة الساحل 5؟
وتتمسك الجزائر برفض قاطع المشاركة في أي عمل عسكري وقتالي خارج حدودها بسبب منع الدستور للجيش القيام بأي عمل عسكري وقتالي خارج الحدود الجزائرية، كما ترفض في الوقت نفسه وضع أراضيها وأجوائها تحت تصرف أي طرف أجنبي.
وتنظر الجزائر بعين الريبة إلى الخلفيات الحقيقية لتواجد القوات الأجنبية في شمال مالي والنيجر والساحل، خصوصاً أن عمليات عسكرية سابقة كعمليتي “رافال” و”برخان”، اللتين أطلقتهما فرنسا، لم تسفرا عن القضاء على المجموعات الإرهابية في المنطقة، لا بل إن العمليات الإرهابية ازدادت ضراوة في الفترة الأخيرة بشكل مقلق. كما أن بعض المجموعات المسلحة عززت تسليحها بفعل الهجمات التي استولت فيها على سيارات وأسلحة ثقيلة وكميات من الذخيرة، ونجحت في استقطاب مزيد من المقاتلين إلى صفوفها من أبناء قبائل الطوارق.
وأشارت مصادر مطلعة، بحسب تقارير متداولة في وزارة الخارجية الجزائرية أنه”من الواضح أن تفرّد فرنسا بقيادة الساحل 5، من دون إشراك أي طرف غربي آخر، وتمرير المبادرة على مجلس الأمن لإضفاء الشرعية على تحركها في المنطقة، لا ينفصل عن بعد إستراتيجي تستهدف باريس عبره حماية مصالحها الاقتصادية، ومناجم اليورانيوم والذهب والحديد التي تقوم باستغلالها شركات فرنسية في مالي والنيجر منذ عقود على حساب المصالح الاقتصادية لدول الساحل نفسها”.
وتتقاسم الجزائر نظرة الريبة نفسها مع روسيا التي تشكك أيضا في النوايا الغربية من التواجد في الساحل، إذ أكد السفير الروسي في الجزائر إيغور بيليايف في تصريحات صحافية قبل أيام أن “روسيا تنظر بعين الريبة إلى تواجد القوات الأجنبية في منطقة الساحل قد تكون غير مخلصة”. وأضاف أنه “قد تكون هناك نوايا وراء وجود قوات أجنبية في منطقة الساحل، وقد تكون هذه النوايا غير مخلصة، لذلك نحن نتابع الأوضاع بناء على المعلومات التي نحصل عليها من الأصدقاء”. ولفت إلى أنه “نحن نتابع ما يحدث، ونحن نرى أن الوضع لم يتحسّن أمنياً. وهذا ما يثير لدينا تساؤلات. بدا لنا في الوهلة الأولى أن الغايات طيبة لأنه مشروع لمواجهة الإرهابيين لكن الأفعال لا تؤدي إلى نتائج إيجابية”.
ورغم أن الحكومة لم تبد أية مواقف علنية بشأن الرمال المتحركة قرب حدودها في شمال مالي والساحل، لكنها تراقب سياسياً وعسكرياً هذا الحراك، في ظلّ مساهمته بشكل لافت في إعادة التوتر إلى المنطقة.