المنطقة الأشهر والأكثر جلبا للسياح

تاغيت.. آسرة القلوب وساحرة الألباب

تاغيت.. آسرة القلوب وساحرة الألباب

طرحنا سؤالا للشباب الجزائري عبر الفايسبوك حول المدينة الساحلية التي يرغبون في زيارتها، وكانت الإجابة تقريبا موحدة من طرف الكثيرين، والتي كانت تقول: “أحلم بزيارة الصحراء”، وهي إجابة متوقعة لوجهة لطالما اعتبرت وجهة السياح من الأجانب والجزائريين على حد السواء خاصة في فصل الشتاء.

وعلى شساعة مساحة الصحراء الجزائرية وامتدادها، يجد السائح نفسه حائرا أمام تعدد الوجهات التي تستدعي زيارتها، ومع ذلك هناك منطقة تعد الأشهر والأكثر جلبا للسياح، هي منطقة تاغيت التي يعتبر فصل الشتاء أحسن موسم لزيارتها في الفترة الممتدة من شهر نوفمبر إلى غاية نهاية شهر مارس، حيث تتميز هذه الفترة من السنة بالجو المعتدل والحرارة المنخفضة، التي تسمح بالتجول واكتشاف مختلف المعالم والأماكن السياحية التي تضمها منطقة تاغيت.

 

مذهبة العقول وساحرة كل الفصول

إذا كنت تبحث عن وجهة سياحية في الجزائر يمكنك الذهاب إليها في كل الفصول فهي تاغيت، فهذه المدينة لا تخلو من السياح طوال أيام السنة وعلى مدار الفصول الأربعة.

تاغيت جوهرة الساورة وقلبها النابض، صنعت لنفسها اسما بجمالها وواحات نخيلها وتنوع طبيعتها، وكثبانها الرملية التي تتكئ عليها المدينة والممتدة على العرق الغربي الكبير، زيادة على امتدادها على الصحراء الصخرية “الحمادة” وواحة النخيل التي ترابض جنب واد على امتداد 18 كيلومترا، بقصورها الست الشامخة.

يوجد في تاغيت التابعة إداريا لولاية بشار، القصر القديم الذي يعتبر معلما تاريخيا هاما، ويحكي فترة من الفترات المهمة التي عاشها الساوريون في خضم حضارة قامت بالمنطقة، ويشهد القصر القديم اليوم ترميما يتوقع أن يعيد إليه بعض معالمه التي فقدها مع الزمن، وخصوصا فيما يتعلق بمنازل سكانه أو كما تسمى بـ “الديور”.

الداخل إلى هذا القصر لأول مرة لا يعرف كيف يخرج منه، له بابان، أولهما أساسي لإدخال الزوار وباب خلفي يقود إلى ساحة واسعة بها واحات النخيل حيث تسمع أهازيج وغناء (صحاب المايا) كما يسميها سكان تاغيت وهي مجموعة من النساء يرددن أغاني شعبية يطلق عليها “الرحبة”.

عندما تصل إلى تاغيت ستدعوك لوقفة تأمل عند مدخلها، ولا تجد نفسك إلا مستسلما لشعور داخلي قد لا تعبر عنه الكلمات، حيث تشدك خضرة نخيلها وسمرة كثبانها، وإطلالة بقايا منازل مهجورة ترامت على أطراف المنطقة لتحكي للعابرين قصة منطقة أبدع الخالق في صنعها… تاغيت جنة الله فوق الأرض حيث الكثبان الرملية الشاسعة والرمال الذهبية المنسابة وجنان الواحات الخضراء التي تتخلّلها أغادير المياه العذبة.. الداخل إلى تاغيت لأول مرة يشعر أنه داخل إلى كوكب آخر حيث الهدوء والسكينة التي تفرضهما طبيعة المنطقة التي تجمع بين الرمل والصخر والخضرة ويجري بينهم الماء في صورة من أروع الصور التي أبدعها الخالق في ملكوته.

 

تسمية تنقلك إلى حقب زمنية غابرة

“تاغيت” أو “تاغيلت” أو “إغيل” تنقلنا التسمية إلى أحقاب زمنية عابرة متّصلة بسكّانها الأوائل بني كومي (بني قومي)، حيث تروي الأسطورة أنّ تاغيت مشتقّة من الكلمة العربية “غيث” أو “إغاثة”، وقد أطلق عليها هذا الاسم حسب الأساطير من قبل شيخ زاهد أعياه المشي حين ظهرت له واحة وافرة الثمار يجري بها ماء عذب، فاستراح عندها وأكل من خيرها وشرب من مائها، ويقال كذلك إنّ اسم تاغيت مشتق من “تاغونت”، وتعني بالبربرية “الحجر” أو “تيغليت” وتعني الهضبة، إذ بنيت على ربوة، و”إغيل” هو الذراع والبعض يقول إنّه المكان الضيّق بين الجبل والكثبان الرملية، ومن المؤكّد أنّ تاغيت كانت آهلة بالسكان منذ أكثر من أحد عشر قرنا، ولقد أكّد ابن خلدون وحسن الوزان أنّ بني كومي أو بني قومي كانوا أوّل من سكن المنطقة، وهم من قبائل العهد الواديد الذين حكموا تلمسان قبل أن ينهزموا أمام المرينيين في فاس عام 735 للهجرة ليقرّروا العودة والاستقرار بالصحراء.

ويبدو أنّ هضبة “زوزفانة” التي تقع عليها تاغيت سكنت منذ عصور بعيدة، والقصور وآثارها تثبت ذلك في الحقبة الأجورية، ونظرا لعددهم الكبير سمي سكان الهضبة “قوم”، ومن هذا جاءت تسمية “بني قومي” الاسم الحالي للسكان. وهناك من يقول إنّ أوّل من سكن تاغيت هم قبيلة الروابح (أولاد بلخير فقيق)، وكانت سوقا من زمن الخليل عليه السلام، ويحكى أنّ المنطقة عرفت بازدهارها العلمي والمعرفي، لكن الحرب لم تترك سبيلا لاستقرار العلم بالمنطقة بسبب تكالب القبائل عليها لاكتفائها المعيشي، أمّا في عهد الاستعمار فقد شهدت المنطقة دخول القوات الفرنسية شهر فيفري 1897 بقيادة الرائد غوردن.

وتعد المواقع الأثرية في تاغيت شاهدا حيا على هوية المنطقة وأصولها الضاربة في عمق التاريخ، والمتمثّلة في النقوش الصخرية الواقعة على طول وادي “زوزفانة”، والتي عبّر من خلالها الإنسان البدائي الأوّل عن بيئته التي تعود إلى 10 آلاف سنة قبل الميلاد،

ولكن رغم وجود جمعية للحفاظ على النقوش الصخرية والديوان البلدي للسياحة، تتعرّض هذه النقوش للسرقة والتخريب والتشويه والاندثار، فضعف الموارد البشرية وجهل سكان المنطقة لأهمية ذلك الشريط الأثري القيّم أدّى إلى الزوّال التدريجي لتلك الآثار التي لا يتم الالتفات إليها إلاّ خلال المناسبات كشهر التراث.. ولكن بعد انطفاء الأضواء تغرق تلك الذاكرة في ظلام النسيان لتترك غنيمة للإهمال واللامبالاة، وإلى جانب النقوش الصخرية تعرف تاغيت بقصورها القديمة التي يبلغ عددها 47 قصرا قديما، من بينها قصر “عرق الحمام” الذي كان يمتدّ إلى محطة النقوش الصخرية، يدعى سكانه “الأعاجم”، عبّروا بالرسم على الحجارة عن حال عيشهم، وقصر “مزاورو” الذي سكنته قبيلة تدعى “أماسي”، وأهمّ تلك القصور “القصر القديم” أو “العتيق” الذي يعود بناؤه إلى حوالي 08 قرون من طرف الولي الصالح سيدي أحمد أورابح.

 

جولات تخترق السكون.. والسوق لمن أراد تذكارا

يخترق سكون الكثبان الرملية وهدوئها جولات السياح على صهوة الجمال أو على دراجات “الكواد”، كما يقوم زوار تاغيت بزيارة سوقها لاقتناء ما يشاؤون من الأوشحة وما يحملونه من تحف تذكرهم بالمدينة، كما تُنصب فيه خيم للأكلات التقليدية، عبر الخيم المنصوبة مع ليالي الشاي وعلى ألحان وأنغام الموسيقى الصحراوية.

 

الكثبان اللامتناهية.. ميزة تاغيت وسحرها

تمثل الكثبان الرملية الساحرة أهم عامل جذب للسياح العاشقين لخلوات تاغيت، والتي تُمثل جمالا آخرا يُفتن به عاشقو هدوء الصحراء، فهي التي ترسم أمام سائحها صورة شاسعة من الكثبان تظهر لناظرها أنها لامتناهية ويزيدها سحرا غروب الشمس هناك، حيث تلقي أشعتها على محيط المدينة ونخيلها بصورة جعلتها تكتسح قمم أجمل مناطق الغروب.

لمياء. ب