تاريخ وتراجم.. نور الدين زنكي 

تاريخ وتراجم.. نور الدين زنكي 

“إنِّي لأستحيي من الله تعالى أن يراني مبتسمًا، والمسلمون محاصرون بالفرنج!”. هكذا لَخَّصَتْ تلك العبارةُ منهجَ وهِمَّةَ هذا البطلِ العظيم، إنَّه الملك العادل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي. لقد تقطعتْ أوصالُ الأمة الإسلامية، وذهبت ريحُها بين الأُمراء والإمارات، وعاث الصليبيون في أرضِ الإسلام الفساد، وتسلَّط الفاطميون على بلاد المسلمين سنينَ ينشرون الكُفْرَ والإلحاد، وتعاون خونةُ الأمراء من المسلمين مع الفرنجة لإسقاط بعضهم، وبين كل ذلك ضاع المسلمون وعانَوُا الظلمَ والقهر على يد الفرنجة تارة، وعلى يد الأمراء الفاسقين تارة. وفي هذا الظلام الحالك أشرقتْ شمسُ يوم الأحد 17 من شهر شوال عام 511هـ، وأشرق معها نورُ الدين محمود على الأمة الإسلامية؛ ليكمل ما بدأه أبوه عماد الدين زنكي، لقد ورث نورُ الدين مِن والده حبَّ الجهاد والسَّعي المستمر لتخليص الأُمَّة من الصليبيين، وقد مَنَّ الله على نور الدين بصفات حميدة أهَّلته ليكون -كما يطلق عليه كثيرٌ من أهل العلم- سادسَ الخلفاء الراشدين.

لقد تربى نورُ الدين على الشعور بالمسؤولية وحمل همّ المسلمين، وقد كان وَرِعًا تقيًّا يعد نفسه مسؤولاً عن المسلمين أمام الله عزَّ وجلَّ ويَظهر هذا جليًّا في رسالته إلى زعماء دمشق؛ قال: “إنني ما قصدتُ بنُزولي هذا المنزل محارَبَتَكم؛ وإنَّما دعاني إلى هذا الأمر كثرةُ شكاية المسلمين بأن الفلاحين أُخِذَت أموالهم، وشُتِّتَتْ نساؤهم وأطفالهم بِيَد الفرنج، وعدم الناصر لهم، فلا يسعُني مع ما أعطاني الله -وله الحمد- من الاقتدار على نصرة المسلمين وجهاد المشركين، وكثرة المال والرجال، ولا يحلُّ لي القعود عنهم، وترك الانتصار لهم”. وكانت عينُ البطل على بيت المقدس، وقد أمر أمهرَ الصُّنَّاع بصناعة منبر ما زال التاريخ يتحدَّث عنه؛ ليضعَه في المسجد الأقصى، ولكن وافتْه المنية يومَ الأربعاء الحادي عشر من شوَّال سنة تسع وستين وخمسمائة، ودفن بقلعة دمشق، رحل البطل الجَسُور بعدما فتح الطريقَ إلى بيت المقدس، وقد فُتِحَت على يد أحد تلاميذه؛ صلاح الدين الأيوبي – رحمه الله.