تاريخ وتراجم.. فتح مدينة عمورية

تاريخ وتراجم.. فتح مدينة عمورية

 

لما وصل المعتصم إلى أبواب المدينة قسَّم أبراجها على قواده، فصير لكل واحد منهم أبراجًا منها عَلَى قدر كثرة أصحابه وقِلَّتهم، فصار لكل قائد مَا بين البرجين إِلَى عشرين برجًا، وتحصن أهل عمورية، ونزل المعتصم قبالة مكان هناك قد أرشده إليه بعض من كان فيها من المسلمين، وكان قد تنصر عندهم وتزوَّج منهم، فلما رأى أمير المؤمنين والمسلمين رجع إلى الإسلام، وخرج إلى الخليفة فأسلم وأعلمه بمكان في السور كان قد هدمه السيل، وبُني بناءً ضعيفًا بلا أساس، وكان ملك الروم قد كتب إِلَى عامل عمورية أن يبني ذلك الموضع، فوقع التواني منهم، فكان ذلك باب الخير على المسلمين في دخول عمورية.

وقوي الحصار وقد وكلت الروم بكل برج من أبراج السور أميرًا يحفظه، فضعف ذلك الأمير الذي هدمت ناحيته من السور عن مقاومة ما يلقاه من الحصار، فذهب إلى مناطس “عامل الروم على عمورية”، فسأله نجدة فامتنع أحد من الروم أن ينجده، وقالوا: لا نترك ما نحن موكلون في حفظه، ثم أمر المعتصم المسلمين أن يدخلوا البلد من تلك الثغرة التي قد خلت من المقاتلة، فركب المسلمون نحوها، فجعلت الروم يشيرون إليهم ولا يقدرون على دفاعهم، فلم يلتفت إليهم المسلمون، ثم تكاثروا عليهم ودخلوا البلد قهرًا، وتتابع المسلمون إليها يكبرون، وتفرَّقت الروم عن أماكنها… ثم أمر المعتصم بعمورية، فهدمت وأحرقت، وكان نزوله عليها لستٍّ خلون من شهر رمضان، وأقام عليها خمسة وخمسين يومًا، وفرق الأسرى على القواد، وسار نحو طرسوس . ومن نتائج فتح عمورية:

– لقد كانت هذه المعركة وهذا الفتح المبين ردًّا عمليًّا على غطرسة البيزنطيين، فتم بذلك الانتصاف للمسلمين ومدنهم جزاءً وفاقًا بما فعل بهم أولئك المعتدون الذين أدبهم أبو إسحاق بما فعل تأديبًا عظيمًا.

– قال ابن كثير: “وأخذ المسلمون من عمورية أموالًا لا تحد ولا توصف، فحملوا منها ما أمكن حمله، وأمر المعتصم بإحراق ما بقِي من ذلك، وبإحراق ما هنالك من المجانيق والدبابات وآلات الحرب؛ لئلا يتقوى بها الروم على شيء من حرب المسلمين.