قصد النبي صلى الله عليه وسلم القوم في جبال ثقيف، وتدافع الجيش بحماسة منقطعة النظير، فلم يبلغوا في يوم من الأيام السالفة هذا العدد من الحشد، فتراخت عندهم اليقظة والحذر من عدوهم، وبينما هم منحدرون من أحد الشعاب إذا بالهجوم المباغت لجيش هوازن في مكان يسمى “حنين”، وكان مالك قد رصد تحرك المسلمين من رؤوس الجبال، حتى إذا دخلوا أحد الأودية في عَماية الصبح أطبقوا على المسلمين من كل فج من شِعاب الوادي، فكانت المباغتة مؤلمة غير متوقعة، ارتد فيها المسلمون على أعقابهم لا يلوون على شيء، وصمد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه قلة من أصحابه، منهم: أبو بكر وعمر وعلي والعباس بن عبد المطلب وابنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث وربيعة بن الحارث وأسامة بن زيد وأيمن بن أم أيمن، وكان في العدو رجل على جمل أحمر يحمل راية يطعُنُ ويتقدم وراء قومه، فتقدم إليه عليٌّ فطعنه وأرداه، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم العباس، وكان جهير الصوت، أن ينادي: يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة – الذين بايعوه على الموت في الحديبية – فبلغهم الصوت فقالوا: لبيك لبيك، وانعطفوا نحو الصوت، فكان منهم من لم يستطع ثَنْيَ بعيره على العودة، فينزل بسلاحه ويترك بعيره، حتى اجتمع إليه قريب من المائة، فشدوا على القوم وجالدوهم، فكانت معركة حامية، قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: “الآن حمي الوطيس” حكمة لم يسبق إليها من قبل، ثم برز وأعلن عن نفسه وهو يقاتل: “أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب” فتقدم وهو راكب بغلته “دلدل”، فلما رأى قوة الدفع من الخصوم قال: “البدي دلدل” كيلا تتراجع، فألصقت بطنها بالأرض، فأخذ حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم وقال: “شاهت الوجوه” فما أحد إلا شكا مِن عينيه، فكانت الهزيمة، فما رجع الناس – الذين انهزموا عند الصدمة الأولى – إلا والأسارى في الحبال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقُتل من هوازن ومن معها نيف وسبعون رجلًا، ومن المسلمين أربعة، وكانت راية الأحلاف – المشركين – مع قارب بن الأسود، فلما رأى الهزيمة أسند رايته إلى شجرة وهرب هو وبنو عمه وقومه، فلم يقتل من أحلاف هوازن سوى رجلين.