تاريخ وتراجم.. عبر من غزوة تبوك

تاريخ وتراجم.. عبر من غزوة تبوك

ما الحديث عن غزوة تبوك إلا استذكار لشيء من سيرته صلى الله عليه وسلم وبذله في سبيل الله تعالى وكذا صحابته رضوان الله عليم لنُحسن الاقتداء بهم، فقد صبر أولئك الأخيار للخروج في الحر الشديد لملاقاة عدو أكثر عدة وعتادًا منهم، وسفر بعيد مع قلة الزاد ابتغاءً للثواب من الله تعالى وطلبًا لأعالي الجنان، فما بال بعض المسلمين -هداهم الله- يتخلَّفون عن صلاة الفجر جماعة بعذر قصر الليل ونومهم عنها، ويتخلَّفون عن صلاة الظهر والعصر جماعة بعذر شدة حرارة الشمس ولهيب الصيف، وربما فرَّط بعضهم في صيام يوم عرفة وتعذر بشدة الحر، ففاته ما فيه من أجر عظيم، وهكذا يتخاذل بعض الناس عن كثير من الأعمال الصالحة، ويبخلون بأمولهم وإنفاقها على الفقراء والمحتاجين خوفًا من الفقر واستجابةً لوسوسة الشيطان الرجيم، والصحابة رضي الله عنهم بذلوا أموالهم مع فقر كثير منهم ابتغاءً لرضا الله تعالى، وكذا استجابتهم لأمره صلى الله عليه وسلم بإلقاء الطعام الذي عجنوه من ماء بئر ديار ثمود مع عطشهم وجوعهم، وهذا هو الإيمان الصادق الذي يُقدم صاحبُه أمرَ الله تعالى ورسوله على رغبات النفس وشهواتها، فما بال البعض من المسلمين اليوم مُصِرٌّ على شرب الدخان أو الشيشة أو تعاطي أي نوع من المُخدِّرات أو سماع ومشاهدة ما حرَّم الله معرضًا عن نهي الله تعالى ورسوله عن ذلك كله. حضر العسرة من حَضَر، وتخلَّف عنها من تخلَّف، وتحمَّل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المشقة، وذهبت وذهبوا، وبقي الأجر موفورًا لهم، والوزر مكتوبًا على المُتخَلِّفِينَ من المنافقين إلا من تاب، وهكذا يفعل الطاعة من يفعلها، ويتخلَّف عنها من يتخلَّف، وسينسى صاحب الطَّاعة المشقة التي لحقته؛ كما سينسى المُقَصِّر فيها الراحة التي خلد إليها كما زعم، وسيمضون، وسيبقى الأجر للعاملين، والوزر على المتخلِّفين، وكل سيجد ما عمل يوم الدين، فإن الجنة حُفَّت بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات.