انظر فيما وقع للمسلمين بغزوة الخندق؛ مِن حَصْرٍ وجوع، وخوف وكرب، وقلة عَدد، ونقص عتاد وعُدة؛ حيث تجمَّع حولهم كفَّارُ العرب، وشَدُّوا عليهم بقوس واحدة، وانتهزت الفرصةَ يهودُ، فنقضوا عهد الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وتواصلوا مع العُداة المحاصرين، وما مِن المسلمين إلا ويربط حجر الجوع يُسكِت به البطن، يرغمه على الصبر، مع عظم البذل في الحَفْر؛ ليُحصِّنوا حول المدينة. وفي تلك الظروف تَعرِضُ لهم صخرة صلبة تكسِرُ حديدهم، ولا تفُلُّها جهودهم، فرفَعوا خبرها للنبي صلى الله عليه وسلم، فيضرِبها من فورِه بالفأس، فتبرق منها ثلاث برقات تضيء جوف الليل، ويُبشِّرهم بفتح اليمن والشام وفارس، بشارةً في ظلمة الليل بوَلِيد الأمل مِن بين ألم وكرب، مما غاظ المنافقين، فقالوا: نخندق حول أنفسنا من الخوف، ولا نستطيع البراز، ويُحدِّثنا عن الفتح؟! في إحدى أراجيفهم لتنثني العزائم بنِيرِ اليأس، ولكن هَيْهَات وبينهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما مات، فكان فعله منارةً يستضيء به ليل اليَؤُوس.
ليتعلم الجميع أن الأمل جنين يتحرك بين أحشاء الألم ينمو، وغدًا يرى النور! وهكذا كان دومًا شأن النبي صلى الله عليه وسلم؛ يحب حسن الفأل، ويرى النصر خلف الغيم، وانظر يوم أخرجوه يوم هجرته، عندما طارده سُراقة وغيره؛ ليأخذوا ما رصده المشركون مِن مكافأة لمن يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم حيًّا أو ميتًا، يا لكيدهم! فكان منه ما يقتضي العجب؛ أمَّن سراقةَ وهو صلى الله عليه وسلم في موقف الخائف المطارد، ووعده بسوارَي كِسْرى وما عنده من مالٍ، وأين وقتها الجند؟ وكم بينه وبين كسرى وسواريه؟ إنه الأمل، جنين يتحرك بين أحشاء الألم ينمو، وغدًا يرى النور! وأنت كيف يكون حالك إن أحاط بك أيُّ كرب: غلبة دَيْن، أو آهات من المرض، أو قهر من رجال، أو كيد من نساء، أو فقر كاد يُنسي، أو عقوق مِن ولد، أو حبس وقيد، أو تجارة كسدت، أو دعوة ليس لها تابعون، أو تضييق على الصالحين، أو أدنى ملمَّة قد حلقت بالأمة؟! هل تسلم نفسك لليأس، وتشرب من مرِّ الكأس، أم أنك تثقُ في عونِ ربك، وتترقب أملًا وليدًا من بين أحشاء الألم؟! فمِن أي نوع الناس أنت؟ أسير اليأسِ أم طليق بالأمل؟.