إذا كان الكثير من الكتاب، والمفكرين، والدعاة قد اعتادوا في الحديث عن معركة بدر على مجرد السرد الآلي لقصة هذه المعركة الفاصلة، دون الغوص في عمق أحداثها للوقوف على لغز انتصار المسلمين، وهم قلة يوم ذاك، بحيث أن حسابات القتال العسكرية الفنية المجردة، لا تؤهلهم لكسب معركة بهذا الحجم، بكل المعايير المعتمدة في التقييم. وعلى ذلك فإنه ينبغي تناول أبعاد هذه المعركة بأساليب تعاطي غير تقليدية، بقصد التمكن من استخلاص الدروس، والعبر، من هذه المعركة، والإفادة منها في علاج إشكالات واقع حال المسلمين المتردي، الذي لا بد لهم من التخلص منه، ومغادرته إلى واقع مستهدف أفضل. لذلك فالسؤال المطروح الآن هو كيف انتصر المسلمون إذن في غزوة بدر وهم قلة ؟ وما هو السر الذي جعل من هذه الغزوة منطلقا لسلسلة الانتصارات الإسلامية اللاحقة في تاريخ المسلمين ؟. والمتأمل في تدبر تلك الأسباب يجد الإجابة عن كل هذه التساؤلات واضحة في قول الله تعالى: ” إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ” الأنفال: 9، حيث الاستغاثة المؤمنة كانت هي السر الكامن وراء ذلك النصر المؤزر، الذي كان خارج سياقات المألوف في الحساب المادي، والقياس الكمي، للقدرات الفنية، كما جرت العادة عليه في حساب أسباب النصر، في مثل هذه المعارك التاريخية الكبرى. فقد كانت استغاثة المسلمين بالله، وفي المقدمة منهم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان في عريش بجوار بدر، قد تجسدت بعون الله إلى مدد، منذ أن أمضى ليلة الجمعة بطولها يجأر إلى الله بالدعاء والتضرع، يستغيث بربه قائلا: “اللهم أنجز ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض”، فنعس الرسول قليلا فرأى في نعاسه البشرى بنصر الله فانتبه مستبشرا قائلا: يا أبا بكر أتاك نصر الله، فيأتي مدد الله عز وجل بالملائكة، يقوونهم استجابة أكيدة لاستغاثة التطلع المؤمن للرسول القائد، وصحبه الميامين، حيث قال الله تعالى في ذلك: ” إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ” الأنفال: 9. هذا هو السر الكامن في نصر الله للمسلمين في معركة بدر آنذاك.