تَغَيَّر مَسَارُ الصِّدَامِ الإسْلامي الفَرَنْجِي في العَقْد الثاني من القرن الثاني الهِجْري بعد أن نَجَح رَئِيْس البَلَاط المَلَكِي الميروفنجي شارل المُلَقَّب بالمطْرَقَة – وكان الحاكم الفِعْلِي لفَرَنْسا آنذاك – في هَزِيْمَة جَيْش المسلمين الأَنْدَلُسِيِّين بقِيادة أَمِيْرهم المُجاهِد عبد الرحمن الغافِقِي رحمه الله تعالى في مَعْرَكة بَلاط الشُّهَداء “بواتييه” سنة 114هـ . وكان ذلك بعد قتال حامِي الوَطِيْس، اسْتَعان فيه قائِدُ الفَرَنْجَة بكثير من الجُنْد الجِرْمان الوَثَنِيِّين الهَمَجِيِّين، فواجَهوا جَيْشَ المسلمين الذي كان مُنْهَكَ القُوَى من طُوْل القِتال في الأَراضِي الفَرَنْسِيَّة بَعِيْدًا عن مَرْكَزه بالأَنْدَلُس، مُثْقَلًا بالغَنائِم الوَفِيْرة التي عاقَت حَرَكَتَه، وبَذَرَت كَثْرَتُها الشِّقاق بين أَفْرادِه، ولم تُصَدِّق جَحافِل الجَيْش النَّصْرانِيَّة والوَثَنِيَّة انْسِحاب جَيْش المسلمين بعد القِتال الشَّدِيْد الضَّراوة الذي لم تَظْهَر فيه عَلَاماتُ الانْكِسار على جَيْش المسلمين، ولم يَجْرُؤ شارلُ وجَيْشُه على تَتَبُّع الجَيْش الإسلامي الذي انْسَحَب نحو الجَنُوب الفَرَنْسِي. وقد وَقَع ما يُشْبِه الإجْماع بين المؤرِّخِيْن الأوروبِيِّين على أن هَزِيْمة المسلمين في هذه المَعْرَكة كان بمَثابة الإنْقاذ لأُوروبا كُلِّها من التَّشَرُّف بالدُّخُول في الإسلام! والصِّيانة لها من التَّنَعُّم تحت سَيْطرة المسلمين، ولكن نَفَرًا من المُسْتَشْرِقِيْن قد زَيَّفُوا أَقاوِيْل مُؤرِّخِي أوروبا القُدَماء والمُعاصِرِيْن عن مَعْرَكة بَلَاط الشُّهَداء، ونَتائجها، وبَيَّنُوا أن خسارة المسلمين للمَعْركة كانت خسارة كبيرة لأوروبا التي حُرِمَت من مَدَنِيَّة الإسلام، وظَلَّت تَأَنُّ تحت وَطْأَة الفَرَنْجَة وغيرهم لفَتَرات طوال. ورُغْم تَخَلِّي المسلمين عن كثير من المُدُن التي فَتَحُوها في أَرْض فَرَنْسا الواسِعة عندما تَقَهْقَر الجَيْشُ تُجاه الجَنُوب الفَرَنْسِي بعد المَعْرَكة، إلا أن شارل لم يَتَعَقَّب المسلمين بعدما رَأى شِدَّة بَأْسِهم في القِتال، ولم يُحاول الالْتِحام معهم لعِدَّة سَنَوات، رُغْم اسْتِعادة المسلمين العَدِيْد من المُدُن الفَرَنْسِيَّة التي فَقَدُوها عَقِب بَلاط الشهداء، إلا أن اسْتِفْحال الفُتُوح الإسلامية في المُدُن الفَرَنْسِيَّة على يَدِ أَمِيْر الأَنْدَلُس العادل المُجاهِد عُقْبة بن الحَجَّاج السَّلُوْلِي رحمه الله تعالى قد أَجْبَرَه على التَّفَرُّغ لمُحاوَلَة إيْقاف الزَّحْف الإسلامي الذي تَمَدَّد شَرْقًا، حتى بَلَغ إقْلِيْم البيمونت بشَمال إيْطاليا، فاسْتَطاع شارل الاسْتِيْلاء على بعض المُدُن من المسلمين، ولكنه فَشِل في اقْتِحام قاعِدة المسلمين الكُبْرى بالجَنُوب الفَرَنْسِي.