كان هذا الفتحُ العظيمُ في عهدِ الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولكن بشائره كانتْ زمنَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تدين له العرب، وقبل أن تفتح على يده مكَّة. كانت تلك البِشَارةُ حينما قابل هِرَقلُ الروم أبا سفيانَ، وكفار قريش وسألهم جملة من الأسئلة عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وكانت تلك المقابلةُ بإيلياء؛ أي بيت الله الذي هو بيت المقدس. فما أن انتهى هرقلُ من أسئلته، والمشركون من إجابة تلك الأسئلة، حتى أطلق هرقلُ تلك البشارة التي أَذْهَلَتْ كفار مكة. قالها وهو يتحسَّر على ملكه، ونفسُه يتنازع فيها داعي الإسلام وداعي الملك، وقلبُه يضطرب بين حظّ الدنيا وفوزِ الآخرة؛ لكنه في نهاية المطاف اختار الملك والدنيا؛ فخسر الملك والدنيا والآخرة. قال هرقلُ لأبي سفيان رضي الله عنه “فإن كان ما تقولُ حقًّا فسيملك موضعَ قدميَّ هاتَيْن، وقد كنتُ أعلمُ أنَّه خارج، لم أكن أظنّ أنه منكم، فلو أعلمُ أني أخلصُ إليه لتجشَّمتُ لقاءه، ولو كنت عنده لغسلتُ عن قدمه”
ودار التاريخ دورته، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كمل به الدين، وتَمَّتْ به النِّعْمَة، ثم تَوَلَّى خليفتُه الصديقُ الأول فقضى على الرِّدَّة، وأرسى دعائم المِلَّة، ثم انسابَتْ جُيُوشُه الفاتحة صوبَ الشَّام تحقيقًا للبِشَارة، ومات الصِّدّيقُ رضي الله عنه وجيوشُ الإسلام قاب قَوْسَيْن أو أدنى من تحقيق البشارة، وخَلَفه الفاروقُ عُمرُ، وجيوشُ الحق تواصل فتحها؛ حتى بلغت بيت المقدس، فحاصر المُسْلِمُون أهلها، ثم تصالحوا بعد الحصار، وقيل: بعد القتال على أن يقدم الخليفة عمرُ رضي الله عنه من المدينة ليباشرَ الصلح بنفسه؛ لما علموا من سيرته وعدله. فكتب أبو عبيدة إلى عمر يخبره بشرطِ أهل إيلياء، فشاور عمرُ أصحابه في الخروج، ثم انشرح صدرُه إلى القدوم على بيت المقدس، واستخلف عليًّا على المدينة، وسار إلى حيثُ مدينة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكتب إلى أُمَراء الأجناد أن يستخلفوا على أعمالهم ويوافوه بالجابية، وفي رواية أخرى: أنه وافاهم عند بيت المقدس.