وهو الصحابيُ خباب بن الأَرَتّ بن جندلة التميمي، ويُسمى بالخزاعيِّ أبو عبد الله، كانَ من سبايا الجاهليةِ، وتم بيعهُ في مكة، فهو مولى أمُّ أنمارٍ الخزاعية، وهو من أوائلِ من أسلَّموا، تعلمَ صناعةَ السيوفِ وأتقَنَها، حتى اشتُهِرَ ببراعتهِ في ذلك، وأصبح النّاس يُقبِلُونَ عليهِ من كل مكانٍ ليشتروا منهُ السيوف، وعُرف بالصدقِ والأمانةِ والحكمةِ، وحكمتهُ هي التي جعلتهُ يتفكر بما وصلت له الناس من ضياعٍ وتخبطٍ في معيشتهم، وما إن بلغَ خباب الدين القويم، الذي جاءَ به رسول الله، ورأى أنَّ هذا الدين هو ما سَيُخرِجُ النّاس من الظُلماتِ التي يعيشونها، إلى النورِ المُبين، حتى سارَعَ إلى الدخولِ بالإسلام، فكانَ سادسَ من آمن، وكان قد أسلم قبل دخول رسول الله دارَ الأرقم.
وأولُ ما يُذكر في سيرة الصحابي خباب بن الأرت، هو جُرأتُهُ في دين الله، فقد أبلغَ النّاس بإسلامهِ، ولمّا بَلغَ خبرُ إسلامهِ أمُّ أنمار، أخبرت أخاها وهو سباع بن عبد العزى، فلمّا سألَهُ عن ذلك، لم يُنكر خباب، وأخبرهُ أنهُ تَبِعَ ما جاَء بهِ رسول الله، فبدأَ بضربهِ هو ومن معهُ، حتى سقطَ والدماءُ تقطرُ منه، ومن هنا بدأَ ثباتهُ وصبرهِ، وبدأت قُريش محاوَلَاتِها لِيَردوه عن دينهِ، فَتَلقى من العذابِ أكثرهُ، وَقدموا لهُ العروضَ المغرية، التي ترفعُ من شأنهِ، لكنّه، تمسك بدينهِ، وبعد زمنٍ منَّ اللهُ عليهِ بالغنى، بعدَ الفقرِ والحاجة، فوضع مالهُ في مكانٍ يتيحُ به للفقراءِ والمساكينَ، أخذَ المال وهذا من شدةِ خشيتهِ من الله تعالى. توفي وهو يبلغُ من العمر73 عامًا، وتوفي في الكوفة سنة 37، وصلّى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعدَ واقعةِ صفين، وقال حين وفاتهِ”رحم الله خبابًا، فلقد أسلم راغبًا، وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا”. وكانت وصيةُ خباب هي أن يُدفن في وقت الظهيرة، وكانَ أول من دُفن وقت الظهيرة، وبعدها أصبحَ النّاس يدفنون موتاهم وقتَ الظهر.