الصحيح الذي عليه أكثر المؤرخين وذكره ابن العماد في شذرات الذهب أنه وُلِد في السابع والعشرين من جُمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة، وقد نشأ الشيخ محب الدين الطبري في بيت علمٍ وشرفٍ، وحسبٍ ورياسةٍ؛ فكان والده وأعمامه ومَن بعدهم، هم الذين بيدهم مناصب القضاء والتدريس، والخطابة والفتوى والإمامة ببلد الله الحرام، وكان دخول القضاء وإمامة مقام إبراهيم في بيتهم سنة ثلاث وسبعين وستمائة. هيأ الله تعالى للشيخ المحب الطبري مناخًا علميًّا ساعده على أن يتبوأ مكانة علمية رفيعة بين أقرانِه، فمع نشأته في أسرةٍ علمية عاملة، كان لجوارِ مكة أيضًا تأثيرٌ مباشر في أن ينهَل مِن علوم أهلِها؛ فسمِع مِن علماء عصره الصحيحين والسنن الأربعة ” إلا سنن ابن ماجه”، وصحيح ابن حبان، وغيرها من الكتب الحديثية والفقهية.
حظِي الإمام المحب الطبري رحمه الله بقَبول عند الناس عالِمهم وعامهم وذلك فضلُ الله يؤتيه مَن يشاء؛ فكان له نصيبٌ وافر من التقدير والإجلال والثناء الحسن، وهذا الثناء لا شك أَمارةُ الصلاح والتقوى، كما أنه علامةٌ على سَعَة العلم وجودة الفَهم، وقد جمع المحب الطبري بين العبادة والعلم؛ فكان رحمه الله تعالى لا يُرى إلا في علمٍ أو عبادةٍ.
يقول أبو اليُمن ابنُ عسَاكر: ” لم أرَ المحبَّ في وقت من الأوقات إلا في عملٍ من صلاةٍ أو طوافٍ أو دعاءٍ أو تعليمِ علمٍ أو تصنيفهِ، أو نحو هذا. وهذه شِيمة الصالحين، ودأب السائرين إلى الله تعالى بإخلاص وبصيرة.” وقال الإمام الذهبي: ” كان عالمًا عاملًا جليل القدر، عارفًا بالآثار، ومَن نظر في أحكامه عرَف مَحَلَّه مِن العلم والفقه”. وقال ابن كثير: ” كان فقيهًا، بارعًا، محدثًا، حافظًا، درَّس وأفتى، وكان شيخ الشافعية هناك، ومحدِّث الحجاز في زمانه”. والراجح أنه تُوفي في جُمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وستمائة بمكة المكرمة، وهذا القول ذكرَه الذهبي في “المعجم المختص بالمحدِّثين”، وابن كثير في “طبقات الشافعيين”.