تؤمن بأن الكتابة روح أنثى.. خديجة بن عادل تعتبر الغربة أحد مفاتيح بوابة الإبداع

تؤمن بأن الكتابة روح أنثى.. خديجة بن عادل تعتبر الغربة أحد مفاتيح بوابة الإبداع

تؤمن الأديبة الجزائرية المقيمة في فرنسا خديجة بن عادل، بأن الكتابة روح أنثى، وترى صاحبة ديوان “غياهب الدجى” أن الغربة أحد مفاتيح بوابة الإبداع. وفي حوار أجرته معها “الجريدة” من القاهرة، قالت بن عادل “إن الكاتب لا يختار لحظة انسجامه مع إلهامه، بل هو قناص أفكار”، مشددة على أنه “حين تغرق الآه في حبر الورق يأفل القلق”…

وعن سنوات النشا_ة الا_ولى في الجزائر وكيف كانت سبباً في اتجاهك لاحقاً ا_لى ساحة الا_دب قالت:”وُلدت بمدينة ا_ولاد سيدي ا_براهيم المعروفة “الديس” عام 1974. عالمي كان منزل والديّ، ذاك السقف الذي ا_نعم تحته براحةٍ، ا_ب عطوف، رحيم، متفهم بل ا_كثر، هو صديق، بحر كلما غصت وجدت كنوزاً من المعرفة والخبرة، وهبني من الحب ما يغنيني ويجعلني ا_دخل غمار وصراع الحياة بكل فخر وقوة، ولا ا_عترف بالملل ولا الكسل ولا الخضوع ولا طا_طا_ة الرا_س ما دمت على حق، وا_ن ا_واجه وا_جابه كل مخاوفي لا_نه صراع البقاء. ومع وصولي مرحلة المراهقة، بدا_ت تتجلى الصور وا_كتشف كل مظاهر العالم الخارجي في المجتمع، فولدت معي الكتابة بالفطرة، ونمت وتطورت حسب الا_حاسيس المعيشة؛ من تجارب ا_نسانية. ومن خلال التدريب والمطالعة عبر السنوات اكتشفت الموهبة وطلعت للنور با_عمال منها الخاطرة، والقصة، والقصة القصيرة جداً، والومضة، وشعر الزجل، وقصيدة النثر، ثم المقالة، فالرواية. وأرى أن الكتابة روح أنثى، سيل نهر يتقدم بهدوء، يحفر مساره في الأعماق ليعطينا نوراً من أبعادٍ أخرى”.

وتابعت:”الكتابة فن إبداعي بين الواقع والخيال، يتحدى فيه الكاتب ذاته بإيصال أفكاره ورسائله للقارئ بطريقة سلسة، ساحرة، تقصي النمطية والتكرار بأسلوب جديد غير مألوف، وتعد رؤى شخصية ومدى انفعال الفكر في لحظتها مع قضاياه الشخصية أو المجتمعية، وأحيانا تشبه رذاذ المطر، يبدأ يتساقط ببطء حتى ينهمر، فيسقي أرواحاً ظمأى لقراءة نصٍ إبداعي، حيث له جاذبية لا يمكن مقاومتها باختلاف الفنون الإبداعية من كل جنس أدبي، بالنسبة إلى كتاباتي يعتبر الألم وقوداً محفزاً لملكة الكتابة، بما يختلج الذات والوجدان، وحين تغرق الآه في حبر الورق يأفل القلق. فالكاتب لا يختار لحظة انسجامه مع إلهامه، بل هو قناص لأفكار تومض في أفق المخيلة وتتشابك مع المشاعر فيحولها لدرر منثورة، حسب فيض نهر المفردات من قاموسه اللغوي، فتبهج المتلقي كفلق الصبح. أما إذا جاءت الكتابة وظيفية، كمقالة تعتبر كتابة إعلامية، تخبر القارئ على أمر ما، تعتمد لغة خبرية، تقريرية، رسمية، لا جاذبية فيها، ولا تترك أثراً عاطفياً، فتعد كتابة لها قواعد أكاديمية وأصول تنتهي المصلحة بوجود المنفعة منها وفقط”.

وتحدثت عن الغربة قائلة:”الغربة عن الوطن تعد عيناً ثالثة على الحياة، تهب الكاتب المبدع كثيراً من المزايا من دون شك، باختلاطه مع العديد من الثقافات، تجعله التجربة إنساناً ذا فطنة، لديه وعي بكل ما يدور حوله، حدسه قائم لا يخطئ، نظرته للحياة تختلف، ينفتح العقل على مدارك أخرى، ومنها ينمي الكاتب مهاراته ويبدع أكثر.فمن خلال تجربتي الإبداعية كتبتُ عن الإيجاب والسلب، وكتبت في القصص عن العشرية السوداء في الوطن الجزائر خلال مطلع التسعينيات، ومدى التمييز العنصري في ديار الغربة، ومعاناة المرأة المسلمة المحجبة وسوء التعامل معها في العمل، وعن المواد المحرمة في المنتوجات، وصراع الأديان والطوائف، وكذا المفارقات الإنسانية في التعامل بمختلف القطاعات كالطب والدراسة، والتعليم والمناهج، وحتى المواقف، ومن خلال الخوض في بحر علوم الحياة مداً وجزراً. والغربة أحد مفاتيح بوابة الإبداع لتجلي الأفكار، وصقل المعلومات، وتهب الغربة لقلم الكاتب نماءً لا حد له، في تطور مستمر بتسارع الأحداث واشتباك وتلاقح الأفكار، كما أننا ننقل أفكارنا وقيمنا ورسائلنا للمجتمع الآخر بطريقة أو أخرى من خلال احتكاكنا المباشر، أو عبر ترجمة كتاباتنا، كان لنا فضل في إيصال ما نؤمن به، والحصيلة أن للغربة تأثيرا كبيرا على تطور الكاتب فكرياً ونفسياً وروحياً.

وعن ترجمة بعض ا_عمالها ا_لى لغات كالفرنسية والا_نجليزية هل منحت لنصوصها الشعرية انتشاراً وفرصة للتعاطي مع متلقٍّ له ذائقة مختلفة، أجابت اللغة العربية كيان قائم بذاته، مهما تعددت الترجمات إلى لغات أخرى، علماً أن أعمالي تُرجِمت للفرنسية، والإنجليزية، والعبرية، والإيطالية، لكن دائماً يكون وقع الترجمة أقل من النسخة الأصلية، لأن للكلمة الواحدة بحورا من المرادفات، ولها جرس موسيقي، تفقده النصوص المترجمة، ومهما حاول المترجم إيصال ما جادت به قريحة الكاتب، فإنه يفشل لا محالة، ببساطة لأنه لا يعيش نفس انفعالاته الوجدانية مع الشّعر مثلما أحس بها الكاتب. وتحتاج الترجمة عيناً خبيرة ملمة باللغة وأدواتها، ويفضل أن يكون شاعراً متمكناً ليستطيع توصيل الفحوى، بخاصة في النثر، لأنه الأصعب وغني بالمجاز والصور البيانية، قد يوفق المترجم وقد يخيب. كما شاركت كتجربة أولى عام 2003 في أمسيات كان لها صدى جميل في نفوس الحاضرين، كما أن لي قراء من الجاليات العربية التي تعيش بالمهجر ولا تتقن القراءة بالعربية، ويبقى العمل الجيد هو الذي يفرض نفسه حتى بعد رحيل صاحبه، لأن الأرواح عطشى لما هو نوراني، مميز، يعيد للنفوس انسجامها مع الفكر، للسلام النفسي، للرحمة والعطف، وأن نعيد تأهيل أفكارنا من الفطرة السليمة التي خلقنا بها الله، وهذا ما يسعى قلمنا جاهداً إلى تحقيقه ولن يهدأ أو يصل بعد، لأن سلم الإبداع دائماً يتطلع للارتقاء، والأفضل.

ب/ص