أشجان القلب.. خواطر مهداة لروح الوالد

بين واقع موتك وخيال عودتك

بين واقع موتك وخيال عودتك

لم يزر النوم عيناي بعد، أتخبط بين الواقع والخيال، لا أكاد أجزم هل أنا في حلم أو حقيقة، هل كل ما حدث فعلا حقيقة! لا يكاد عقلي يستوعب بالرغم من محاولاتي المتكررة والفاشلة! نتظاهر بالقوة والصمود ثم تأتي أحداث تكشف الغطاء، لا قلب ولا ذاكرة ولا الطبيعة البشرية تتحمل، فتصرخ طبيعتك وتلجأ لمناجاة الله أو للقلم كعادتي، تمر على عيناي ذكريات ولحظات، أراقب نزول المطر وصوته وأتذكر، كنت أجمع ماء المطر وأضع دلوا لكي أحصل على تلك القطرات، وإذا بأبي يأتي ويسألني: ماذا تفعلين؟ فأجيبه أني أجمع ماء المطر أبي، يخبرونني دائما أنه عند غسل رأسي به يجعل من شعري طويلا جدا كالأميرات، فاحتار وسكت، ثم ذهب فكأنه يخبرني أنه لم يعرف عن هذه المعلومة من قبل وإلا لجمعت لك الكثير، ذهبت للدراسة في جامعتي كعادتي وعند عودتي وجدت أن أبي ملأ لي 20 لترا من ماء المطر، سألته: كيف فعلت هذا؟ ولماذا؟ فأجابني بسعادة كبيرة” جمعته لك! الم تخبرينني أنك تريدين أن يصبح شعرك طويلا، صرت دائما أتذكرك واجمع لك ماء المطر، هل تعيرينني القليل! فأنا أيضا أريد أن استرجع شبابي”، وكان كل يوم يراقب ذلك الدلو اذا نقصت كميته أم لا وعندما يراها على حالها يسألني، ألم تستعملي ماء المطر الذي جمعته لك بعد؟ ينزل المطر، وكثيرا ما أخبرني أنا وأمي، أنتما اكثر من يحب  المطر، فيأخذنا بجولة نرى الأجواء ثم نعود لبيتنا الدافئ والآمن، أجلس في غرفتي أراقب سقفها المرسوم بالأزهار باللون الزهري الفاتح وبعض أغصان الأشجار التي رسمها ابي بيديه، لأنه يعلم أني أحب الطبيعة وأني قبل النوم أنظر لسقف الغرفة كثيرا وأتأمل فأرادني أن أرى دائما رسماته الجميلة فقد كان مبدعا في الرسم! حتى أنه اختار تفاصيلها لوحده، كأقفال الضوء والشاحن باللون الوردي والبنفسجي، لهذا السبب صرت لا أحب دخول تلك الغرفة وأحاول الهروب منها كأنها شبح يلاحقني ويسحبني للماضي، كي لا أدخل في تصادمات بين واقعي وذكرياتي، لا أزورها كثيرا صمم لي غرفة بها بابين، باب عادي يفصل بين غرفتي وباقي الغرف وباب للتهوية دائما أتركه مفتوح كوني اختنق أحيانا عندما لا توجد تهوية بسبب الربو سابقا، حتى في فصل الشتاء واتركه مفتوحا فينزعج مني احيانا، لان البرد شديد وأنا لا أغلق ذلك الباب، وهو من الأشخاص التي تبرد كثيرا في فصل الشتاء عكسي تماما، فيغضب مني غالبا، هل يعقل يا جماعة ، أن تجد في هذا العالم شخصا يعرف تفاصيلك لهذه الدرجة غير الاب؟ يعرف حتى حالات اختناقك فيرسم بيده تصميم المنزل ولا ينسى أن يضع في غرفة كوثر باب للتهوية؟ لأنها تعاني من ضيق التنفس أحيانا في فترات الضغط والتوتر، وهل يعقل أن يجتهد شخص ليرسم لك ما تحبه في السقف لكي تراه كل يوم؟ لم استطع الاحساس بالأمان إلا بوجود أبي وأمي في المنزل أو تواجدي في المسجد، لا أجد شعور الأمان إلا في هاتين الحالتين، ولم أجده في مكان آخر قط، ليلة وفاة أبي، لم أنم للحظة كان بالمستشفى وبقيت أراه من مكالمة الفيديو وهو في الغيبوبة، طلبت من أخي أن يضع السماعات على أذنه لعله يحس بي فيستيقظ، لكنني لم أستطع التحكم في نفسي بالرغم من أني نويت أن لا أبكي في السماعات، أخبرته أننا ننتظره ليعود غدا للمنزل! واذا بنبضات قلبه تتغير ويخبرني أخي أن يداه تحركتا، ظننت أنه بدأ صراعه مع المرض ومع تلك الأوعية الملعونة التي كانت تجري في عروقه  من أجل العودة! انتظرت طول الليل ثم غفوت على 2:19 وإذا بي أرى أبي يسقط من مكان عالي جدا، استيقظت مفزوعة أصرخ غير ممكن لا يمكن أن يحصل هذا مجرد شيطان يلعب بأفكاري أحسست بضيق تنفس لدرجة أنني أحسست أن روحي تخرج، وإذا بالهاتف اللعين يرن وقد كانت اسوء مكالمة، نعم كان أبي قط فارق الحياة، ركضنا إلى المستشفى وكان ذلك الشعور يشبه أن تحتجز في غرفة مساحتها 1 متر مربع مغلقة من جميع الجهات وأنت مصاب بمرض في جهازك التنفسي كالربو مثلا، هل تخيلتم ذلك الإحساس؟ مؤلم صح! عشته مرارا كل يوم خميس على الساعة 2:20 أعيش نفس الشعور فأصبحت أتجنب النوم إلا بعد هذه الساعة، كي أتجنب ذلك الشعور وأن استيقظ مذعورة مجددا، منذ وفاة أبي، وأنا أعيش نفس الشعور في نفس اليوم والتوقيت حتى أنني قررت أن أشارك ذلك الهم يوما، فاتصلت بأول من خطر على بالي، كان السؤال كالتالي: ما الحل أني اختنق لا الأرض ولا السماء تسعني، لا يوجد مكان في هذا العالم يسع هذا الحمل الثقيل، هل تُراني اجد عندك الحل؟ كان الرَد كشفاء، قلّ الضرر بمشاركة ذلك الشعور وخف الحمل قليلا لكن لم ينعدم قط. لنعيش بعده حياة غير متزنة، متذبذبة فيها كمية ضياع غير طبيعية ، محاولة مواصلة العيش والانسجام بالحياة، ثم ترى أو تسمع أو تتذكر أمرا، فيعود بك شريط الحياة منذ الطفولة إلى ذلك اليوم التعيس في تلك الساعة التي أصبحت كالكابوس بالنسبة لي…

إبنتك الوفية..كوثر