في هذه الأيام التي يشتد حرُّها، ويزداد سمومها، وتلفح شمسها، يخرج الناس من الحر إلى أطراف الأنهار والبحار، حتر يتبرَّدوا من حر الجو في هذه الأيام، لكن ينبغي أن يعلم الناس أن حر الدنيا هذا يذكرنا بحر الآخرة، وشمس الدنيا وشدتها، تذكِّرنا بدُنو الشمس منا يوم القيامة في يوم طويل عسير، يشتد فيه الزحام والحر، ويَعظُم فيه الكرب، ويسيل فيه العرق، ويبلغ الخوف بالناس مداه، فعن المقداد بن عمرو بن الأسود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تدنو الشمسُ يومَ القيامةِ من الخلقِ، حتى تكونَ منهم كمقدارِ مَيلٍ، فيكون الناسُ على قدرِ أعمالهم في العَرقِ، فمنهم من يكونُ إلى كعبَيه، ومنهم من يكون إلى ركبتَيه، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيه، ومنهم من يلجُمه العرقُ إلجامًا” صحيح الجامع. إذا تذكر الإنسان ذلك، وتفكر فيه، علِم أن حر الظهيرة في أشد بقاع الأرض حرًّا لا يكاد يذكر أمام حرِّ ذلك اليوم العظيم، وأن ضجر الإنسان من شدة الحر مع ما هو فيه من وسائل التبريد والراحة، لن يقارن بضجره في ذلك اليوم العظيم، “يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ” الحج: 2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ” مسلم. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم “يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَب الْعَالَمِينَ” فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يَتَغَيَّبُ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ” رواه ابن حبان. فماذا أعددنا لهذا اليوم العصيب الذي لا ظل فيه إلا مَن أظله الله، فتخيَّلوا هذا الموقف الرهيب ونحن حفاة عراة غرل ليس معنا شيء يسترنا، وليس معنا شيء يَحمينا من حر الشمس ووهجها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يتمنى الناس فيه أن يخرجوا منه إلى أي شيء. إن أعظم ما يُتقى به حرُّ يوم القيامة الإتيان ببعض الاعمال الصالحة التي تتقرب بها إلى الله، فتنجيك من حر ذلك اليوم؛ منها:
أولًا: تقوى الله تعالى: فالتقوى من أعظم الأسباب التي تقي العبد كربات يوم القيامة؛ قال تعالى: ” وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ” الزمر 61.
ثانيًا: إنظار المعسر أو الوضع عنه: فهنيئًا لمن أنظَر معسرًا أو وضع عنه شيئًا من دينه، ونقول له: أبشِر بخير عظيم من الله، فيكفيك شرفًا أن يَعِدَك الله بأن يُظلك في هذا اليوم العصيب، فعن كعب بن عمرو رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: “مَن أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عنْه، أَظَلَّهُ اللَّهُ في ظِلِّهِ” رواه مسلم.
ثالثًا: كن من السبعة: أعمال لسبعة أصناف من الناس حازوا السبق، وفازوا ونجوا تحت ظل ربهم، ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” متفق عليه.
رابعًا: صوم النافلة: وهو ما زاد عن الفريضة مما وردت به السنة؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: “مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا..”؛ متفق عليه.
من موقع شبكة الألوكة