تعرف الجزائر موجة برد شديدة، ما دفع بالجزائريين إلى الاستعمال المفرط لأجهزة التدفئة، ونظرا لجهل الكثيرين بقواعد السلامة والوقاية، فإن تسربات الغاز تحصد يوميا عديد الضحايا الذين يذهبون ضحية الجهل من
جهة واللامبالاة من جهة أخرى.
عدم مطابقة الأجهزة للمعايير يهلك الجزائريين

بعد تعليق أسباب حوادث الاختناق بالغاز على جهل الجزائريين ولامبالاتهم بقواعد الوقاية، جاء الدور على أمور أخرى ترجعها الوزارة الوصية لأسباب تتعلق بعدم مطابقة أجهزة التدفئة التي تدخل السوق الوطنية للمعايير الدولية، بينما يرجع التجار أسباب الحوادث إلى غياب ثقافة الاستعمال لأجهزة التدفئة الذي أوقع العديد من ضحايا الاختناق بالغاز.
ويبعد تجار ومستوردو أجهزة التدفئة اللائمة عنهم بالقول إن المتسبب في حوادث تسرب الغاز في المنازل يتوقف على المختصين في تركيب الأجهزة وليس في الأجهزة في حد ذاتها، بينما اتهم آخرون التجار باستيراد أجهزة مغشوشة.
مدافئ الموت تهدد حياة الجزائريين

ومع اشتداد موجة البرد شهدت العديد من محلات بيع الأجهزة الكهرومنزلية خاصة في الأسواق الكبرى كالحميز والجرف بالعاصمة وسوق دبي بالعلمة، إقبالا كبيرا من طرف الجزائريين. وفي زيارة قادتنا لسوق الحميز شرق العاصمة، دخلنا إلى محل لبيع الأجهزة الكهرومنزلية، يقول صاحبه “منير” إن الإقبال على المدافئ زاد في الفترة الأخيرة، وحول الأنواع التي يكثر عليها الطلب، يقول محدثنا إنهم يستوردون سلعهم من عدة بلدان على غرار الصين، بالإضافة إلى العلامات المصنعة محليا، والتي بدأت تعرف رواجا مؤخرا. وأضاف “منير” لدى سؤالنا حول ما إذا كانت بعض المدافئ تشكل خطرا على المستهلكين، هناك بعض المستوردين يقومون بجلب مدافئ بقطع غيار مغشوشة وأحيانا دون مدخنات للتخلص من الغازات السامة، والكثير منها تسببت في حوادث أودت بحياة الناس وهو ما تؤكده العديد من الحالات التي عرفتها الكثير من الولايات، آخرها اختناق 7 تلاميذ ومعلّمة في إحدى المدارس بالشريعة في تبسة، وقد تنقلت وحدات الحماية المدنية بالجزائر إلى عين المكان ونقلت على الفور 7 تلاميذ مغمى عليهم إلى مصلحة الاستعجالات الطبية بالمستشفى العمومي محمد شبوكي في الشريعة، كما تم نقل 21 تلميذا آخرا ومعلمة إلى المستشفى بعد أن أصيبوا بآلام في الرأس نتيجة تسرّب كميات كبيرة من أحادي أكسيد الكربون من مدفأة القسم.
غياب التهوية بالمنازل يسبب الاختناق
ولا ترتبط حوادث الغاز بوجود الثقوب في الأنابيب أو في رداءة الأجهزة فقط، بل تمتد إلى أسباب أخرى قد تأتي في صمت ودون سابق إنذار ألا وهي الاختناقات بغاز ثاني أكسيد الكربون القاتل، حيث يجهل الكثير نقطة مهمة وضرورية للمنازل أثناء فصل الشتاء وهي مساحات التهوية التي تعتبر ركيزة أساسية لتفادي حدوث الاختناقات، ولغياب التوعية يعمد الكثير إلى سد جميع منافذ المنزل من نوافذ وأبواب لغرض الحصول على دفء أكثر ويبقي المدفأة مشتعلة طيلة الليل وأخطرها في فترات الذروة للنوم، مما قد يضاعف الخطر أكثر باستنشاق الأشخاص للغاز السام القاتل و الذي لا ينذر ولا يعطي أية إشارات معينة سوى الشعور بالوهن والنعاس الشديد و هو ما أطلعتنا عليه عائشة التي قالت إنها في فصل الشتاء وأثناء تشغيلها المدفأة اكتشفت بأنها تشعر بتعب ونعاس شديدين وصعوبة في التنفس وصعوبة في الاستيقاظ صباحا إلى أن تفطنت بأن ذلك سببه المدفأة، و تضيف لامية في ذات السياق بأن إفراطها في زيادة درجات حرارة المدفأة تسبب لها الكثير من المشاكل الصحية ومن أبرزها ضيق في التنفس يصاحبه خمول وإرهاق إلى أن نصحها الطبيب بتهوية المنزل قدر الإمكان.
منافذ التهوية خط أحمر وهذا ما يجب فعله إذا وقع تسرب
يحذر الدكتور يعقوبي كمال رئيس الأطباء بالمديرية الولائية للحماية المدنية بقسنطينة، من العبث في منافذ التهوية داخل المنازل، لأنها المنقذ الوحيد للأرواح في حالة تسجيل تسربات لغاز أحادي أكسيد الكربون القاتل، كما يوُجه للمواطنين مجموعة من النصائح التي من الضروري اتخاذها تجنبا للاختناق عند حدوثه. ويؤكد المتحدث أنه بالإمكان تجنب الاختناق بالغازات المحروقة بأفعال بسيطة، من بينها إنجاز فتحات تهوية في أسفل الأبواب عوض سدّها ومنع دخول و خروج الهواء عبرها، مضيفا أن على المواطن أن يعي أن أي منزل يتوفر على جهاز تدفئة يجب أن يكون مُهوّى، على الأقل بفتح نافذة واحدة إلى النصف. و يؤكد الدكتور أن خطر غاز أحادي أكسيد الكربون المنبعث من أجهزة التدفئة، يكمن في أنه عديم الرائحة واللون، كما أنه يقتل الإنسان في ظرف ثلاث دقائق، لكن أحيانا يشعر الإنسان ببعض الأعراض عند بداية استنشاقه، من بينها الشعور بآلام مفاجئة في الرأس وظهور ما يشبه الضباب عند الرؤية، وأول شيء يجب القيام به في هذه الحالة، هو الانبطاح أرضا على الفور والزحف على البطن إلى غاية الوصول إلى باب المنزل وفتحه مباشرة. وذكر الدكتور يعقوبي أن الخطأ الذي غالبا ما يرتكبه المصابون و حتى من يحاولون إنقاذهم، هو الوقوف بمجرد الشعور بالأعراض المذكورة، ما يؤدي إلى استنشاقهم كميات كبيرة من غاز مونوكسيد الكربون القاتل والسقوط قبل التمكن من فتح النوافذ، وذلك لأن هذا الغاز يُعد من الغازات الساخنة التي تتجمع في الأعلى، مضيفا أن التأكد من أن شعلة المدفأة زرقاء اللون أمر ضروري، و لا يجب الاستهانة بهذا الشرط، فحتى ضمان التهوية بشعلة حمراء، لا يمكن أن يحمي من الاختناق، لأن اللون الأحمر يعني أن عملية الاختناق غير مكتملة وبأن كمية مونوكسيد الكربون القاتل كبيرة وتتضاعف لـ 10 مرات.
معظــم الــــحوادث سببـــها التـوصيلات و ليـــس الأجـهزة المغشوشـة

ذكرت المكلفة بالاتصال في شركة توزيع الكهرباء والغاز، أن معظم حالات الاختناق بسبب الغاز تحدث نتيجة اختلالات في التوصيلات الداخلية، وليس نتيجة لاستخدام مدافئ مغشوشة، مُحذرة بأن أكثر الحالات ناجمة عن تسربات من سخانات الماء التي لا تزال الكثير من العائلات تسيء استعمالها.
وتُرجع السيدة بوحوش الاختناقات المسجلة إلى استعمال أنابيب طاردة للغازات ذات نوعية رديئة، أو مدافئ غير مزودة بهذه القنوات، رغم أن هذا النوع مخصص للأماكن المفتوحة كمراكز التسوق الكبرى و غيرها، مضيفة أن الحملات التحسيسية التي تقوم بها مصالح سونلغاز كل سنة، كشفت أن 60 بالمائة من حوادث الاختناق سببها سخان الماء، الذي يُركب هو الآخر دون قناة طاردة للغازات ويُستعمل لساعات متتالية في الاستحمام من طرف أفراد الأسرة، ما يؤدي إلى وقوع التسرب وربما الموت، إذا كانت منافذ التهوية مغلقة.
وتحذر مصالح سونلغاز من خطر عدم تنظيم ومراقبة المدخنات الجماعية للعمارات، لأن هذه العملية يجب أن تتم مرة في السنة الأقل وتشمل أيضا جهاز التدفئة و “الطابونة” وسخان الماء، لكن المُلاحظ، تضيف محدثنا، هو تهاون الكثير من المواطنين في تطبيق هذه التدابير الوقائية، والغريب أن الخرجات التحسيسية تُظهر وعيا بهذه الأخطار عند بعض الأشخاص، لكن الإطلاع على توصيلات الغاز داخل منازلهم يفاجئ أعوان سونلغاز، بوضعها بطرق غير صحيحة و أحيانا ترقيعية، ومنهم من يغيرها بسبب تعديلات منزلية صرف عليها أموالا كبيرة، لكنه لا يصرف أي دينار للاستعانة بمختص يُركب التوصيلات، رغم أن ذلك يحميه من خطر الموت. وتدعو السيدة بوحوش المواطنين إلى الامتناع عن استخدام أجهزة التدفئة المستعملة أو من أسواق الخردة، لأن عيوبا تقنية ستكون فيها على الأرجح.