بين الاعتبارات الاقتصادية والمخاوف الصحية… جدل حول رفع الحظر في الجزائر

بين الاعتبارات الاقتصادية والمخاوف الصحية… جدل حول رفع الحظر في الجزائر

 

في ظلّ تفشي فيروس كورونا، فرضت التدابير الوقائية أضرارًا كبيرة على النشاط الاقتصادي، لذا شرعت الحكومة الجزائرية، في التحضير لرفع إجراءات الحجر الصحّي قصد الانتعاش الاقتصادي والعودة إلى الحياة الطبيعية.

ويرى بعض المختصين أن الوضع الوبائي في الجزائر بات مستقرا نوعًا ما، وهذا اعتمادًا على معدّلات الوفيات التي تراجعت مقارنة بأيّام مضت، إضافة إلى عدد الحالات المحدودة الموجودة في العناية المركزة، حيث لم تتعدَ نسبة 17 في المائة من مجموع الحالات الخاضعة للإشراف الطبي.

وفي هذا الإطار، جاءت تعليمة رئيس الجمهورية خلال ترأسه المجلس الأعلى للأمن، الذي أمر أعضاءه بالشروع في العمل على إعداد مخطط عمل لمرحلة ما بعد كوفيد-19، مع الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الصحيّة والاقتصادية والاجتماعية.

 

الالتزام بتدابير الوقاية

عن هذا الموضوع، يوضّح الطبيب المختصُّ في الصحّة العمومية، عبد الكريم بن اعمر أن المؤشرات العلمية تظهر استقرارًا في الوضعية الوبائية.

وفي تقديره، فإن ارتفاع عدد الإصابات في الفترة الأخيرة يعود إلى عدم تطبيق تدابير الحماية الذاتية والجماعية، وعدم احترام تدابير الحجر الصحّي والوقائي، زيادة على ارتفاع مراكز تشخيص وباء كوفيد-19، من مركز فحص واحد موجود بالعاصمة إلى 26 مركزًا عبر قطر الوطن.

وبخصوص احتمال رفع الحجر الصحّي  المقيد أو التدريجي، أكّد المتحدث على حتمية رفع الحجر الصحّي لإعادة التوازنات الاقتصادية.

وشدّد بن اعمر على ضرورة وضع مخطّط ورؤية متكاملة تسمح بالعودة إلى الحياة الطبيعية، وإجراءات مرنة اقتصاديًا، مع وضع استراتيجية تخفّف من الضغط الاجتماعي والنفسي.

الدور الأكبر على المواطن

ويؤكد المختصون بإجماعهم على أنه يتعيّن على المواطن أن يتقيد بالتدابير الوقائية الصارمة، والاحترام الدقيق لممارسات التباعد الجسدي والاجتماعي والتدابير الحاجزية وارتداء الكمامة ووضع النظارات وغسل اليدين باستمرار.

واقترح المتحدّث إمكانية رفع الحجر الصحّي عن الولايات أو المناطق التي لم تسجل أيّة إصابة، ويهدف هذا الحلّ إلى فتح الاقتصاد المناطقي، تخفيفًا على المناطق الوبائية.

 

المسح الجغرافي الوبائي

في السياق ذاته، يقترح مختصّون جملة من الإجراءات، التي تراعى فيها الجوانب الوقائية دون زعزعة الاستقرار الاقتصادي والمحافظة على الوضع مستقرًا، ومن بين المقترحات، وضع المسح الجغرافي الوبائي، الذي تُحدد فيه بؤر انتشار الوباء، وبالتالي الاعتماد على المقاربة الهجومية، بدل انتظار حالات الإصابات بالمستشفيات، وتتوقف هذه المقاربة على إمكانيات السلطات الطبية على الفحص الشامل والمستهدف.

وتفاديًا لارتفاع نسبة البطالة في المجتمع، يقترح أخصائي علم الأوبئة، الاعتماد على الحجر المنزلي لأشخاص مشبوهين، لقطع مسار انتشار العدوى، بدل الحجر الصحّي الشامل أو الجزئي، وبدل عزل العاملين والشباب الذين يمثلون الأغلبية، لابدّ من عزل حاملي الفيروس، قصد مواجهة الركود الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي.

 

مخاوف من موجة ثانية

في مقابل ذلك، يُبدي الكثير من الأطباء والمتتبعين مخاوف من ذروة جديدة من فيروس كورونا، إذ ما اختارت الحكومة رفع الحجر الصحي جزئيًا، حينها تتجاوز فيه قدرة استيعاب المستشفيات بكثير، خاصة وأن البنية التحتية للقطاع الصحّي في الجزائر ضعيفة.

وتخشى الأوساط الطبيّة، التضحية بالوضع الصحّي العام لصالح الوضع الاقتصادي الهش، وانعكاساته الاجتماعية، وارتفاع المطالب بالعودة إلى الحياة الطبيعية نظرًا لطول فترة الحجر الصحّي، في حين لايزال الخطر قائما، مخاوف ازدادت مع حالة تراخي المواطنين بخصوص الالتزام بالتدابير الوقائية والصحية.

 

الاعتبارات السياسية

من جهته، يطرح فيروس كورونا أبعادًا متنوعة، سياسية واقتصادية وصحيّة، وبالتالي الجوانب الأكثر اهتمامًا، ويظلّ الجدل قائمًا بين الاعتبارات السياسية وانعكاسات الأزمة الصحية على الحياة الاقتصادية، وتطرح على الساحة ماهي الخيارات والأولويات في أجندة الحكومة، علمًا أن الأزمة الاقتصادية ستزيد من متاعب الأزمة الصحيّة.

وفي ظلّ هذه المخاوف والجدلية، يُجمع خبراء على ضرورة التعامل والتعايش مع الوباء، وعلينا أن نختار المقاومة ومواجهة الوضع الصحّي القائم، عبر استراتيجية الانتقال من السياسة العلاجية في المستشفيات إلى المقاربة الوقائية، حيث ينخرط المواطن في السلامة الصحيّة في أماكن العمل ووسائل النقل وفي المطاعم ومرافق التنزه وغيرها.

ويُجمع خبراء على ضرورة التعامل والتعايش مع الوباء، وعلينا أن نختار المقاومة ومواجهة الوضع الصحّي القائم.

 

المواطن.. تحليل حسب الوضع والمقاس

اختلفت آراء المواطنين حول رفع الحجر من عدمه، فالعامل اليومي الذي انقطعت به سبل الرزق أكد ضرورة التسريع في رفع الحجر دون الالتفات للعواقب الصحية، فانقطاع المدخول صعب من وضع الكثيرين وجعلهم يقفون على حافة الفقر، وهو ما جعل تركيزهم يتجه صوب إنهاء الحجر و مزاولة نشاطهم، فيما رأت فئة أخرى أنه لا ينبغي رفع الحجر ما دام عدد الإصابات مرتفعا ويقارب الـ 200 إصابة يوميا، خاصة وأنه لا يمكن التعويل على وعي المواطن الذي شاهدنا جميعا حاله بداية رمضان حين فتحت المحلات، وهو ما يجعلنا نتوقع الوضع في حال تم الترخيص لوسائل النقل بالنشاط خاصة الحافلات المعروفة بالاكتظاظ.

لمياء. ب