كلامٌ يُقال غداة رحيل البرازيلي بيليه أشهر لاعب كرة قدم، وأكثرهم انتصارات وحضوراً وشعبية، فالهدّاف وصانع الأهداف، لاعب الهجوم و”صانع لعبة” كما يوصف، له في السينما فيلمان يُعتبران الأهمّ، وإنْ يعجزان عن بلوغ مرتبة الإبهار الفني والدرامي والتوثيقي. عام 2006، أنجز الأمريكيان جِف ومايكل زمبالِست “بيليه: ولادة أسطورة”.
وفي 23 فيفري 2021، بدأت المنصّة الأمريكية “نتفليكس” عرض الوثائقي “بيليه”، للبريطاني ديفيد تايلور وللنيوزيلندي بِنْ نيكولاس. قبلهما، يُحقِّق البرازيلي أنيبال ماسّايني نيتو وثائقياً بعنوان “بيليه الأبدي” (2004).
خارج السيرة الحياتية/المهنية، يُشارك بيليه (إدسن أرنتس دو ناسيمنتو، 1940 ـ 2022)، شخصياً، في “هروب إلى النصر الذي يُحقّقه الأمريكي جون هيوستن عام 1981. الصفحة الفرنسية الخاصة به في “ويكيبيديا” تذكر أفلاماً أخرى متفرّقة، عنه ومعه، بدءاً من عام 1963، والوثائقي/الروائيّ “العالم في الليل رقم 3″، للإيطالي جانّي برويا.
تعداد الأفلام كلّها غير صعبٍ، لكنّه غير مُفيدٍ في قراءة، يُراد لها أنْ تكون نوعاً من تحية لـ “الجوهرة السوداء”. تحية سينمائية لمن يحضر في نفوس ملايين الناس وقلوبهم وعقولهم، فالتسجيلات المُصوّرة عن أهدافٍ كثيرة له، في مباريات محلية وقارّية، بالإضافة إلى مباريات كأس العالم، تكشف سحراً غير موصوف في أداء يُظنّ، غالباً، أنّه احترافٌ رياضي بحت، بينما يمتلك في أسلوبه (الأداء) شيئاً كثيراً من الكوريغرافيا التمثيلية، إنْ يصحّ قولٌ كهذا.
“لم أفكّر في التمثيل قط”، يقول بيليه لصحافي رياضي.. ذات يوم في ستينيات القرن الـ20. رغم هذا، يُشارك كـ “ممثل” في “الهروب إلى النصر”، والمشاركة عاديّة للغاية، لكنّها تتميّز بمرافقة بيليه كباراً في السينما (في ذاك الوقت، وبعده)، أمثال ماكس فون سيدو ومايكل كاين، إلى سيلفستر ستالون، الذي سيصنع لاحقاً حضوراً له في المشهد السينمائي، مختلفاً وخاصاً. في “الاستديو الأخضر” (الملعب)، يتفوّق بيليه في قدرته الجاذبة على مزج حِرفية اللعبة بابتكاراتٍ عفوية في مواجهة الخصم والاحتيال عليه، من دون خروجٍ كامل على جمالية الأداء التمثيلي، المنضبط في قواعد الرياضة وفضائها الواسع، الذي يحتمل تصرّفاتٍ آنيّة لكنّه، في الاستديو السينمائي، يتحوّل غالباً إلى إضافةٍ معنوية لفيلمٍ أو لحكاية، أو يكون اختباراً لمخرجٍ في كيفية التعامل مع رياضيّ، كبيليه، أمام الكاميرا السينمائية.
“ولادة أسطورة” محاولة روائية لسرد حكاية واقعية… سيرة رجل سيُصبح سريعاً أهمّ من أنْ يُحصَر في وصفٍ واحد، خاصة إنْ يكن الوصف ممثَّلاً بـ “أسطورة”. وصف كهذا يُلبّي رغبة جماهيرية كبيرة، لكنّها غير حاجبةٍ أهمية بيليه في التاريخ الحديث لبلده، من خلال رياضة كرة القدم. سيرته الرياضية تتداخل بالسيرتين السياسية والاجتماعية لبلده. الخطوات الأولى لنهوض بلده من خرابٍ وانعدام أفق، تترافق وبداية بيليه في إثارة الحماسة والحيوية في جسد بلده وروحه. في خمسينيات القرن الـ20، تُصاب البرازيل بنكسات كثيرة. يقول جوكا كفوري (صحافي برازيلي) إنّ عام 1950 “يُمثِّل الإخفاق القومي الذريع”. يُضيف أنّ هناك من ابتكر عبارة تؤكّد الإخفاق، بعد هزيمة البرازيل أمام الأوروغواي 1 ـ 2 في كأس العالم (النسخة 4، بين 24 جوان و16 جويلية 1950): “عقدة مونغريل”، أي أنّ البرازيل ذابلةٌ ومتلاشيةٌ في الظلال: “الآخرون رائعون ونحن بلا قيمة، لأنّ مونغريل اسم إحدى سلالات كلاب الشوارع” (كفوري).
لاحقاً، سيحلّ بيليه تلك العقدة، وسيجعل البرازيليين “يُحبّون أنفسهم مجدّداً”، بقيادته المنتخب البرازيلي إلى الفوز بكأس العالم، بانتصاره على المنتخب السويدي 5 ـ 2 (النسخة 6، بين 6 و26 جوان 1958). هذا مذكور في وثائقيّ “نتفليكس”.
يستحيل اختزال كلّ شيءٍ في سيرة بيليه، الرياضية والحياتية والاجتماعية (يصعب عليه ألاّ يخون زوجته إزاء هيام نساء كثيرات به، كما يُقال، وكما يؤكّد هو نفسه). سينمائياً، يُمكن لوثائقياتٍ أنْ تُشاهَد أكثر من أفلامٍ روائية عنه ومعه، لما في الوثائقيات من معطيات وتسجيلات مُفيدة، رغم الاشتغال العاديّ، بصرياً وجمالياً.