اختارت جمعية “السعادة” أن توجه اهتمامها لدعم فئة مهمشة تتألم في صمت، فمن جهة تعاني من مرض نادر حرمها من التعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية، التي تدمر المادة الوراثية في خلايا الجلد، فيصبح رقيقا، وهو ما يسمى بجفاف الجلد المصطبغ، ومن جهة أخرى، غياب علاج ناجح وغلاء المراهم والألبسة الواقية لأشعة الشمس، كل هذا زاد من حجم معاناة “أطفال القمر”..
وأوضحت رئيسة جمعية “السعادة” المعنية بهذه الفئة، سهام بن بتقة، أن المرض “يستدعي وضع المراهم الخاصة بحماية ووقاية الجلد من أشعة الشمس والضوء بصورة كثيفة لوقاية الأطفال المصابين بالكزينوديرما كونهم غير قادرين على تجديد خلايا الجلد بعد تعرضها لأشعة الشمس، لذا يبقى أحسن علاج هو الوقاية وتوفير الألبسة الخاصة الواقية وهي باهضة الثمن”. وأبرزت أن ثمن الأدوية الخاصة بالتكفل بمرض “أطفال القمر” جد باهض، لافتة إلى أن هذه الأدوية تعرف ندرة خلال الفترة الأخيرة وفي حال توفرها في الصيدليات، فثمنها مرتفع جدا كما أن معظمها تدرج ضمن قائمة مواد التجميل أو شبه الطبية المعروفة بغلائها وعدم تعويضها.
إعادة تدوير الأغطية البلاستيكية لمجابهة العجز
التفكير في إطلاق حملة واسعة لجمع الأغطية البلاستيكية بغية إعادة بيعها وتحويل عائداتها، لسد احتياجات أطفال القمر من مراهم ولباس خاص، جاء حسب المتطوعة كهينة حجارة، بعد أن وجدت الجمعية صعوبة في التكفل بالاحتياجات المتزايدة لهؤلاء الأطفال الذين يعجزون عن مقاومة المرض، الأمر الذي يجعلهم يفارقون الحياة في سن مبكرة، وتقول “كل هذا جعلنا نطلق عبر مواقع التواصل الاجتماعي أكبر حملة لتحفيز الناس عبر مختلف ولايات الوطن، من أجل المساهمة والمشاركة في جمع الأغطية، ومن ثمة بيعها لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم التي تضمن لهم حياة أقل ما يقال عنها إنها عادية”.
قد يتساءل البعض، حسب محدثتنا؛ لما جعلنا الحملة محصورة على الأغطية البلاستيكية دون غيرها من المواد البلاستيكية الأخرى؟ وتجيب “ببساطة لأن أغطية العلب والقوارير البلاستيكية ثقيلة الوزن بالمقارنة مع القارورة، بالتالي تكون عائداتها المالية أكبر، وهو ما تحتاجه الجمعية للتكفل بتسديد نفقات التداوي واقتناء الألبسة الخاصة بهؤلاء المرضى” وتشرح “خاصة أن المراهم التي يتم شراؤها غير معوضة لدى الضمان الاجتماعي، الأمر الذي يدفعنا كنشطاء بالجمعية، إلى مطالبة وزارة الصحة بإعادة النظر في الحالة المرضية النادرة لهذه الشريحة، خاصة أنها تمس أطفالا”.
تجاوب كبير في انتظار النتيجة الملموسة
عن مدى التفاعل مع حملة جمع الأغطية البلاستيكية، أشارت المتطوعة كهينة إلى أن الحملة لقيت تجاوبا كبيرا عبر مختلف ولايات الوطن، الأمر الذي جعلنا “كمتطوعين نوسع من العملية، فبعدما كانت تشمل في مرحلتها الأولى الأغطية، امتدت لتمس كل أنواع مواد البلاستيك”، مشيرة إلى أن طريقة العمل جد بسيطة تقوم على توعية المواطنين في مختلف ولايات الوطن بأهمية جمع أي نوع من البلاستيك، ووضعه في مكان خاص يسهل الوصول إليه من المتطوعين، الذين بعد الإشراف على العمل التحسيسي، من خلال التعريف بأطفال القمر ومعاناتهم لتحفيز الناس على المشاركة، يتم بعدها جمع ونقل المواد البلاستيكية وتحويلها إلى الجمعية التي تقوم بدورها، بتحويلها للمؤسسات المهتمة، بإعادة تدوير البلاستيك وتحصل في المقابل على عائد مادي لدعم أطفال القمر، وبالمناسبة تقول “أبدت العديد من المؤسسات الكبرى المهتمة بإعادة تدوير البلاستيك تجاوبا كبيرا مع الحملة”.
300 طفل مصاب مسجل والإحصائيات غير دقيقة
يصل تعداد أطفال القمر، حسب إحصائيات الجمعية، إلى 300 طفل، غير أن هذا الرقم، حسب المتطوعة كهينة، لا يعكس العدد الحقيقي بالنظر إلى وجود بعض الحالات المخفية في المنازل وغير المعلن عنها، ورغم أن هذه الفئة حازت بموجب القانون على أحقيتها في التعلم بالمدارس العادية، شأنها شأن باقي الأطفال العاديين، إلا أن عدم تهيئة الأقسام كي تتكيف مع الحالة الصحية لهذه الفئة، حال دون تمكن بعضهم من التعلم، تقول “الأمر الذي يدعونا كنشطاء بالجمعية إلى مطالبة الجهات الوصية التدخل لتسهيل تمدرسهم وتحقيق أحلامهم في أن يعيشوا حياتهم القصيرة كغيرهم، بعيدا عن أي شعور بالاختلاف أو النقص”.
على الرغم من أن الهدف الأساسي لحملة جمع السدادات أو الأغطية البلاستيكية إنساني بالدرجة الأولى، يتمثل في دعم ومساندة القمريين، إلا أنها ساهمت أيضا في تحقيق مجموعة من الأهداف الأخرى، ممثلة في إشراك المواطنين في العمل التطوعي من خلال جمع مختلف المواد البلاستيكية، ونشر ثقافة الحفاظ على البيئة، خاصة أننا من المجتمعات التي تستهلك البلاستيك بكميات كبيرة، تقول محدثتنا.
غلاء الأدوية هاجس الأولياء
ودعت المتحدثة إلى “تكفل أنجع” بهذه الفئة التي تعاني وذلك من خلال منحها بطاقات أولوية خلال عمليات الفحص بالمستشفيات تفاديا للطوابير نظرا لحساسيتهم المفرطة للشمس والضوء، وكذا تخصيص مراكز للترفيه والاسترخاء مغلقة ومؤمنة بعيدا عن الضوء وأشعة الشمس. وأشارت بن بتقة إلى أن الجمعية تركز في إطار عملها الخيري على الرعاية النفسية “لإرجاع البسمة والأمل لهؤلاء المرضى”، وأضافت أن الإضراب الذي شنه الأطباء عبر العديد من المراكز الاستشفائية مؤخرا “أثر سلبا” على عملية التكفل وكان وراء تأجيل مواعيد العلاج لدى المرضى، ما زاد من معاناة هؤلاء الأطفال الذين يستدعي علاجهم سرعة التكفل لوقف تفاقم حالات الإصابة خاصة فيما تعلق بأمراض العيون.
من جهة أخرى، ذكرت المتحدثة أن الجمعية تساهم في توفير الأدوية والملابس والنظارات والقبعات الواقية وكذا مصابيح كهربائية مضادة للأشعة ما فوق البنفسجية وبعوازل النوافذ للتخفيف من معاناة هؤلاء المصابين، كما تقوم بتوزيع مراهم لحماية جلد المصاب وهي باهضة الثمن يتراوح سعرها ما بين 1500 و3500 دينار للمرهم الواحد، معربة عن أسفها لعدم قدرة العائلات على اقتناء هذه المواد ليس لغلاء تكلفتها فحسب، بل لندرتها وعدم تعويضها من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وعدم إدراج هذا المرض ضمن قائمة الأمراض المزمنة.
مطالب بتوفير مركز ترفيه للقمريين
وفي انتظار توفير مركز للترفيه والاسترخاء خاص بـ “أطفال القمر”، أشارت بن بتقة إلى أن هدف الجمعية من المبادرة هو لمّ شمل عائلات المصابين بالمرض ودعمها نفسيا وبوسائل الوقاية الضرورية وإفادتهم بنصائح ومعلومات أولية من أجل حماية يومية لأطفالهم بصورة ناجعة ودائمة للتخفيف من آلامهم. واعتبرت أن هذا المرض غير معروف لدى عامة الناس كما أن بعض عائلات المرضى “تخجل من هذا المرض ولا تصرح به”، مما يتطلب توعية المجتمع وتحسيسه حول الإصابة بهذا المرض والكشف عنه مبكرا.
كما أشارت إلى “غياب جرد حقيقي” لعدد حالات الإصابة بالمرض على المستوى الوطني، لافتة إلى أن حالات جديدة يتم تشخيصها سنويا (قرابة 40 حالة سنويا) بمدن كأدرار، القالة، ورقلة، بشار، تبسة، المسيلة، عين مليلة وغيرها. وسجلت رئيسة الجمعية في نفس المجال تحسنا كبيرا في ظروف تمدرس هذه الفئة خاصة أن وزارة التربية الوطنية تنسق جهودها مع الجمعيات النشطة في الميدان من أجل تمدرس هذه الفئة من الأطفال وتوفير الوسائل الواقية بالأقسام التي تستقبلهم وتحسيس الفاعلين في قطاع التربية من أجل تسهيل اندماجهم في الوسط المدرسي.
لمياء. ب