نظمت المحافظة السامية للرقمنة، الخميس، ملتقى وطنياً حول “المرجع الوطني لحوكمة البيانات”، تحت شعار “أمن، تأطير وتنظيم”، بحضور عدد من ممثلي القطاعات الوزارية والهيئات العمومية والخبراء في المجال الرقمي.
وخلال كلمتها الافتتاحية، أكدت الوزيرة المحافِظة السامية للرقمنة، مريم بن مولود، أن هذا المرجع يأتي استكمالاً لمسار التحول الرقمي الذي تنتهجه الجزائر، ويهدف إلى تأطير تبادل البيانات القطاعية عبر آليات ومعايير محددة تستجيب لمتطلبات أمن المعلومات وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، بما يضمن شفافية اتخاذ القرار وتكامل الأنظمة المعلوماتية بين المؤسسات والهيئات الوطنية.
إطار تنظيمي لضمان سيادة البيانات
وأوضحت الوزيرة، أن المرجع الوطني لحوكمة البيانات يضع الأسس اللازمة لإدارة البيانات داخل القطاعات الوزارية وفيما بينها، مع تحديد معايير تصنيف البيانات وفق مستويات حساسية محددة، لضمان حمايتها وسلامتها. كما يتضمن آليات واضحة لتوزيع المسؤوليات بين مختلف الفاعلين، حيث اقترحت المحافظة السامية للرقمنة استحداث “المجلس الأعلى لحوكمة البيانات” كهيئة عليا للتحكيم في تصنيف البيانات، إضافة إلى أدوار كل من “مسير البيانات” و”مالك البيانات” و”مستخدم البيانات” لضمان إدارة سلسة وفعالة للبيانات الوطنية.
مشاريع كبرى لتعزيز البنية التحتية الرقمية
وكشفت بن مولود، عن الإنجازات الكبرى التي حققتها الجزائر في مجال البنية التحتية الرقمية، أبرزها “شبكة الربط السيادية IRIES”، التي توفر بيئة حصرية وآمنة لتبادل المعلومات بين القطاعات الوزارية بعيداً عن شبكة الإنترنت، مما يعزز استقلالية الجزائر الرقمية. كما أكدت أن مشروع “المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية”، الذي بلغت نسبة إنجازه 60 بالمائة، سيوفر حلول الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة، مما يمكن القطاعات الحكومية من تسريع رقمنتها بفعالية وتخفيض التكاليف.
إطار قانوني شامل للرقمنة
وفي سياق تعزيز التأطير القانوني، أعلنت الوزيرة عن استكمال إعداد مشروع قانون الرقمنة، الذي يتناول أكثر من 51 مجالاً جديداً لم تكن مشمولة في التشريعات السابقة، مثل الحوسبة السحابية، التشغيل البيني، البوابة الوطنية التفاعلية للخدمات الرقمية، والإمضاء الإلكتروني. وقد تم إيداع المشروع التمهيدي لدى الأمانة العامة للحكومة يوم 23 يناير 2025.
نحو إدارة رقمية شفافة وفعالة
كما أكدت بن مولود، أن الجزائر تواصل تقدمها في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي “جزائر رقمية 2030″، التي صودق عليها في أغسطس 2025، وتمثل أول مرجعية وطنية للتحول الرقمي في البلاد. وبناءً على هذه الاستراتيجية، تم إطلاق المخطط الوطني لتنفيذ الرقمنة 2025-2026، الذي يضم أكثر من 500 مشروع رقمي، يهدف 77 بالمائة منها إلى تحقيق الحوكمة الرقمية.
التشغيل البيني.. نقلة نوعية في تبادل البيانات
ومن أبرز المشاريع التي أعلنت عنها المحافظة السامية للرقمنة، المنصة الوطنية للتشغيل البيني، التي ستضمن تبادل البيانات بين الوزارات والهيئات الحكومية عبر شبكة (IRIES) بطريقة مؤمنة وفعالة. كما شددت الوزيرة على ضرورة إنهاء الممارسات التقليدية لتبادل البيانات، مثل استخدام الأقراص المضغوطة ومفاتيح USB، والاعتماد على حلول أكثر أماناً وتنظيماً.
الرقمنة.. خيار استراتيجي لتحقيق التنمية
واختتمت بن مولود كلمتها بالتأكيد على أن الرقمنة ليست مجرد مشروع تقني، بل خيار استراتيجي لتحقيق إصلاحات عميقة في الإدارة والاقتصاد الوطني، تماشياً مع توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي يولي أهمية قصوى لتسريع التحول الرقمي كدعامة رئيسية للتنمية. ويأتي إطلاق المرجع الوطني لحوكمة البيانات، ليؤكد التزام الجزائر بترسيخ التحول الرقمي وفق رؤية استراتيجية واضحة، تضع الأسس لتبادل البيانات بطريقة آمنة وشفافة. ومع المشاريع الطموحة التي يجري تنفيذها، تمضي الجزائر بثبات نحو تحقيق إدارة رقمية متكاملة، تعزز كفاءة الخدمات الحكومية وتدعم الاقتصاد الوطني في عصر الثورة الرقمية.
إيمان عبروس